الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
اختلف الناس في تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب ، فعندنا وعند الأكثرين أن إلا قرينة مخصصة ، ومنشأ الخلاف : الإشكال في معقولية الاستثناء ، فإنك إذا قلت : قام القوم إلا زيدا .

فإن لم يكن زيد دخل فيهم ، فكيف أخرج هذا ؟ وقد اتفق أهل العربية على أنه إخراج وإن كان دخل ، فقد تناقض أول الكلام وآخره ، وكذا نحو قوله : علي عشرة إلا درهما ، بل أبلغ ، لأن العدد نص في مدلوله العام فيه والعام : فيه الخلاف السابق ، وذلك يؤدي إلى نفي الاستثناء من كلام العرب ، لأنه كذب على هذا التقدير في أحد الطرفين ، ولكن قد وقع في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فتكون " إلا " قرينة بينت أن الكل استعمل ، وأريد به الجزء مجازا ، وعلى هذا : فالاستثناء مبين لغرض المتكلم به بالمستثنى منه ، فإذا قال : له علي . عشرة ، كان ظاهرا ، ويحتمل [ ص: 394 ] إرادة بعضها مجازا ، فإذا قال : إلا ثلاثة ، فقد تبين أن مراده بالعشرة سبعة فقط ، كما في سائر المخصصات . قال ابن مفلح : الاستثناء إخراج ما تناوله المستثنى منه ، ليبين أنه لم يرد به ، كالتخصيص عند القاضي وغيره . وفي التمهيد : ما لولاه لدخل في اللفظ كالتخصيص ، ومراده الأول . واستنكر أبو المعالي هذا المذهب ، وقال : لا يعتقده لبيب . والمذهب الثاني - وبه قال الباقلاني - : إن نحو عشرة إلا ثلاثة مدلوله سبعة ، لكن له لفظان ، أحدهما مركب ، وهو عشرة إلا ثلاثة ، واللفظ الآخر سبعة ، وقصد بذلك أن يفرق بين التخصيص بدليل متصل ، فيكون الباقي فيه حقيقة ، أو بمنفصل ، فيكون تناول اللفظ للباقي مجازا . وحكي عن الشافعي : أن الاستثناء إخراج لشيء دل عليه صدر الجملة بالمعارضة ، فمعنى عشرة إلا ثلاثة فإنها ليست علي . والمذهب الثالث - واختاره ابن الحاجب وغيره - : أن المراد بالعشرة عشرة باعتبار أفراده ، ولكن لا يحكم بما أسند إليها إلا بعد إخراج الثلاثة منها ، ففي اللفظ أسند الحكم إلى عشرة . وفي المعنى إلى سبعة . وعلى هذا : فليس الاستثناء مبينا للمراد الأول ، بل به وبما يحصل الإخراج ، وليس هناك إلا الإثبات ، ولا نفي أصلا ، فلا تناقض .

فالاستثناء على قول الباقلاني ليس بتخصيص ، لأن التخصيص قصر العام على بعض أفراده ، وهنا لم يرد بالعام بعض أفراده ، بل المجموع المركب ، وأنه على قول الأكثرين تخصيص لما فيه من قصر اللفظ على بعض مسمياته . وأما على المذهب الثالث : فيحتمل أن يكون تخصيصا ، نظرا إلى كون الحكم في الظاهر للعام ، والمراد المخصوص ، ويحتمل أن لا يكون تخصيصا ; نظرا إلى أنه أريد بالمستثنى منه تمام مسماه

التالي السابق


الخدمات العلمية