الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين الآية . أخرج ابن مردويه عن سعد بن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة انقطعت الأرحام وقلت الأسباب وذهبت الأخوة إلا الأخوة في الله . وذلك قوله : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين [ ص: 226 ] قال : على معصية الله في الدنيا متعادون .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين قال : صارت كل خلة عداوة على أهلها يوم القيامة إلا خلة المتقين . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : الأخلاء أربعة مؤمنان وكافران فمات أحد المؤمنين فسئل عن خليله فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمعروف ولا أنهى عن منكر منه، اللهم اهده كما هديتني وأمته على ما أمتني عليه ومات أحد الكافرين فسئل عن خليله فقال : اللهم لم أر خليلا آمر بمنكر منه ولا أنهى عن معروف منه اللهم أضله كما أضللتني وأمته على ما أمتني عليه قال : ثم يبعثون يوم القيامة فقال : ليثن بعضكم على بعض فأما المؤمنان فأثنى كل واحد منهما على صاحبه كأحسن الثناء وأما الكافران فأثنى كل واحد منهما على صاحبه كأقبح الثناء .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي شيبة، عن كعب قال : يؤتى بالرئيس في الخير يوم القيامة فيقال له : أجب ربك فينطلق به إلى ربه فلا يحجب عنه فيؤمر به إلى [ ص: 227 ] الجنة فيرى منزله ومنازل أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الخير ويعينونه عليه فيقال : هذه منزلة فلان وهذه منزلة فلان . فيرى ما أعد الله في الجنة من الكرامة ويرى منزلته أفضل من منازلهم ويكسى من ثياب الجنة ويوضع على رأسه تاج ويغلفه من ريح الجنة ويشرق وجهه حتى يكون مثل القمر ليلة البدر فيخرج فلا يراه أهل ملأ إلا قالوا : اللهم اجعله منهم حتى يأتي أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الخير ويعينونه عليه فيقول أبشر يا فلان فإن الله أعد لك في الجنة كذا وأعد لك في الجنة كذا وكذا فما يزال يخبرهم بما أعد الله لهم في الجنة من الكرامة حتى يعلو وجوههم من البياض مثل ما علا وجهه فيعرفهم الناس ببياض وجوههم فيقولون هؤلاء أهل الجنة، ويؤتى بالرئيس في الشر فيقال : أجب ربك . فينطلق به إلى ربه فيحجب عنه ويؤمر به إلى النار فيرى منزله ومنازل أصحابه فيقال : هذه منزلة فلان وهذه منزلة فلان فيرى ما أعد الله له فيها من الهوان ويرى منزلته شرا من منازلهم فيسود وجهه وتزرق عيناه ويوضع على رأسه قلنسوة من نار، فيخرج فلا يراه أهل ملأ إلا تعوذوا بالله منه فيأتي أصحابه الذين كانوا يجامعونه على الشر ويعينونه عليه فيقولون : نعوذ بالله منك . فيقول : ما [ ص: 228 ] أعاذكم الله مني؟ أما تذكر يا فلان كذا وكذا . فيذكرهم الشر الذي كانوا يجامعونه ويعينونه عليه، فما زال يخبرهم بما أعد الله لهم في النار حتى يعلو وجوههم من السواد مثل ما علا وجهه فيعرفهم الناس بسواد وجوههم فيقولون : هؤلاء أهل النار .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد، وحميد بن زنجويه في "ترغيبه"، وابن جرير، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن علي بن أبي طالب في قوله : الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين قال : خليلان مؤمنان وخليلان كافران توفي أحد المؤمنين فبشر بالجنة فذكر خليله فقال : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر وينبئني أني ملاقيك، اللهم فلا تضله بعدي حتى تريه ما أريتني وترضى عنه كما رضيت عني . فيقال له : اذهب فلو تعلم ما له عندي لضحكت كثيرا ولبكيت قليلا ثم يموت الآخر فيجمع بين أرواحهما فيقال : ليثن كل واحد منكما على صاحبه . فيقول كل واحد منهما لصاحبه : نعم الأخ ونعم الصاحب ونعم الخليل وإذا مات أحد الكافرين بشر بالنار فيذكر خليله فيقول : اللهم إن خليلي فلانا كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير وينبئني أني غير ملاقيك اللهم فلا تهده بعدي حتى تريه مثل ما أريتني وتسخط عليه كما سخطت علي فيموت الآخر فيجمع بين أرواحهما، فيقال : ليثن كل [ ص: 229 ] واحد منكما على صاحبه فيقول كل واحد لصاحبه بئس الأخ وبئس الصاحب وبئس الخليل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن جرير عن سليمان التيمي قال : سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم إلا فزع فينادي مناد : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون . فيرجوها الناس كلهم، فيتبعها : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : تحبرون قال : تكرمون .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية