الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما أنهى الكلام على الطهارة المائية صغرى وكبرى انتقل يتكلم على الطهارة الترابية التي لا تستعمل إلا عند عدم الماء أو عدم القدرة على استعماله أو خوف على نفس أو مال أو خوف خروج وقت فقال ( فصل ) في التيمم وهو لغة القصد وشرعا طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية ، والمراد بالتراب جنس الأرض فيشمل الحجر وغيره مما يأتي والذي يسوغ له التيمم فاقد الماء في سفر أو حضر وفاقد القدرة على استعماله وهو المريض حقيقة أو حكما وكل من جاز له التيمم فيتيمم للفرض والنفل وللجمعة والجنازة تعينت أولا إلا الصحيح الحاضر الفاقد للماء فإنه لا يتيمم إلا لفرض غير الجمعة والجنازة المتعينة عليه فلا يصلي به النفل أو جنازة غير متعينة إلا تبعا وإلى هذا أشار بقوله [ درس ] ( يتيمم ذو مرض ) ولو حكما كصحيح خاف باستعمال الماء حدوثه لم يقدر على استعمال الماء بسببه ( و ) ذو ( سفر ) وإن لم تقصر فيه الصلاة ( أبيح ) أراد به ما قابل المحرم والمكروه فيشمل الفرض والمندوب [ ص: 148 ] كسفر الحج والمباح كالتجر وخرج المحرم كالعاق أو الآبق والمكروه كسفر اللهو وهو ضعيف والمعتمد أن المسافر الفاقد للماء يتيمم ولو عاصيا بسفره لما تقدم في مسح الخفين من القاعدة ( لفرض ) ولو جمعة ( ونفل ) استقلالا وهو ما عدا الفرض فيتيمم كل للوتر وللفجر ولصلاة الضحى ( و ) يتيمم ( حاضر صح ) لم يجد ماء ( لجنازة ) ( إن تعينت ) عليه بأن لم يوجد غيره من رجل أو امرأة يصلي عليها بوضوء أو تيمم من مريض أو مسافر وخشي تغيرها بتأخيرها لوجود الماء أو من يصلي عليها غيره ( و ) ل ( فرض غير جمعة ) من الفرائض الخمس وأما الجمعة فلا يتيمم لها فإن فعل لم يجزه على المشهور بناء على أنها بدل عن الظهر فالواجب عليه أن يصلي الظهر بالتيمم ( ولا يعيد ) الحاضر الصحيح ما صلاه بالتيمم وأولى المريض والمسافر أي تحرم الإعادة في الوقت وغيره إلا في المسائل الآتية التي يعيد المتيمم فيها في الوقت ( لا سنة ) فلا يتيمم لها الحاضر الصحيح وأولى مستحب فلا يتيمم لوتر وعيد [ ص: 149 ] وجنازة لم تتعين عليه بناء على سنيتها ولا لفجر ولا لتهجد أو صلاة ضحى استقلالا

التالي السابق


. ( فصل في التيمم ) ( قوله : أو خوف على نفس أو مال إلخ ) أي كما لو كان الماء موجودا في محله وقادرا على استعماله لكنه خاف بطلبه هلاك نفسه من السباع أو اللصوص أو أخذ اللصوص لماله أو خاف باستعماله خروج الوقت الذي هو فيه ( قوله : وهو لغة القصد ) أي فيقال يممت فلانا إذا قصدته ومنه

من أمكم لرغبة فيكم ظفر ومن تكونوا ناصريه ينتصر



( قوله : والمراد بالتراب ) أي الذي نسبت له الطهارة ( قوله : يتيمم ذو مرض ) أي أذن له فيه أعم من كونه على جهة الوجوب أو غيره ( قوله : أو حكما ) أي وهو الصحيح الذي خاف باستعماله حدوث مرض فهو بسبب خوفه المذكور في حكم غير القادر على استعماله ( قوله : والجنازة المتعينة عليه ) عطف على قوله لفرض غير الجمعة أي إلا لفرض غير الجمعة وإلا للجنازة المتعينة عليه ( قوله : فلا يصلي به النفل ) أي ولا فرض الجمعة ( قوله : إلا تبعا ) أي للفرض الذي تيمم له ( قوله : يتيمم ذو مرض ) أي عاجز عن استعمال الماء لخوفه تأخير برئه أو زيادة مرضه وحينئذ فليس منه المبطون المنطلق البطن القادر على استعمال الماء لأن هذا يتوضأ وما خرج منه غير ناقض كما مر في السلس وفاقا لح خلافا لمن قال إنه يتيمم انظر بن ( قوله : بسببه ) أي بسبب المرض أو خوفه حدوث المرض ( قوله : أبيح ) صفة لسفر لا أنه راجع لمرض أيضا لأن من كان مرضه من معصية يتيمم للفرض والنفل اتفاقا والفرق بينه [ ص: 148 ] وبين من كان عاصيا بسفره أن الأول لما حصل له المرض بالفعل صار لا يمكنه إزالته بخلاف الثاني فإنه قادر على الرجوع من السفر وإذا علمت أن المسافر يجوز له التيمم تعلم أنه لا يلزمه استصحاب الماء معه في السفر للطهارة كما في ح وغيره ( قوله : كسفر الحج ) مثال للفرض والمندوب لأن الحج تارة يكون فرضا وتارة يكون مندوبا ( قوله : وخرج المحرم ) أي خرج السفر المحرم والمكروه فلا يجوز القدوم على التيمم فيهما ( قوله : كالعاق ) أي كسفر العاق وسفر الآبق ( قوله : وهو ) أي ما ذكره المصنف من تقييد السفر بالإباحة ضعيف ( قوله : يتيمم ) أي يجوز له التيمم حتى للنوافل كما في ح ولو عاصيا بسفره ( قوله : ويتيمم حاضره صح لجنازة ) أي بناء على أن صلاة الجنازة فرض كفاية أما على أنها سنة كفاية فلا يتيمم لها ولو لم يوجد غيره لأنها تصير سنة عين أصالة وقد قال المصنف لا سنة وحينئذ فتدفن بغير صلاة فإن وجد ماء بعد ذلك صلى على القبر قاله شيخنا ( قوله : لم يجد ماء ) أي وأما لو كان الماء موجودا وخاف ذلك الحاضر الصحيح بالاشتغال بالوضوء فوات الصلاة على الجنازة فالمشهور أنه لا يتيمم لها وقال ابن وهب إن صحبها على طهارة وانتقضت تيمم وإلا فلا . انظر ح ( قوله : أو تيمم من مريض أو مسافر ) ما ذكره من أن وجود مريض أو مسافر يتيمم لها مناف لتعينها هو ما ذهب إليه عج ومن تبعه وفي نقل ح وطفى خلافه وأنه لا ينفي تعينها وإذا تعدد الحاضرون صحت لهم جميعا بالتيمم وأما من لحق الصلاة في أثنائها فيجري على الخلاف في سقوط فرض الكفاية لتعينه بالشروع فيه وعدمه قاله في المج ( قوله : ولفرض غير جمعة ) أي إذا كان ذلك الفرض غير معاد لفضل الجماعة وإلا فلا يتيمم له لأنه كالنفل على الأظهر كما في ح ( قوله : بناء على أنها بدل عن الظهر ) أي وهو ضعيف فعدم إجزاء تيممه للجمعة مشهور مبني على ضعيف أي وأما على أنها فرض يومها فيتيمم لها وهذا ضعيف مبني على مشهور قال بن والذي يدل عليه نقل المواق و ح وغيرهما أن محل الخلاف إذا خشي باستعمال الماء فوات الجمعة مع وجود الماء فالمشهور أنه يتركها ويصلي الظهر بوضوء وقيل يتيمم ويدركها وأما لو كان فرضه التيمم لفقد الماء وكان بحيث إذا ترك الجمعة صلى الظهر بالتيمم فإنه يصلي الجمعة بالتيمم ولا يدعها وهو ظاهر نقل ح عن ابن يونس ا هـ ( قوله : ولا يعيد الحاضر الصحيح ما صلاه بالتيمم ) أي وهو فرض غير الجمعة والجنازة التي تعينت عليه ( قوله : وأولى المريض والمسافر ) أي فلا يعيدان ما صلياه بالتيمم وهو الفرض مطلقا والجنازة مطلقا أو النافلة ( قوله : أي تحرم الإعادة في الوقت وغيره ) ما ذكره من حرمة الإعادة هو ما في عبق واعترضه شيخنا بأنه ليس في النقل تصريح بالحرمة [ ص: 149 ] وفي بن لا معنى للحرمة هنا إذ الذي في المدونة وغيرها أنه لا إعادة عليه في وقت ولا غيره أي لا يطالب بذلك ومقابله ما لابن عبد الحكم وابن حبيب يعيد أبدا انظر التوضيح ا هـ وعلى الأول فالظاهر أن الإعادة مكروهة مراعاة للقول الثاني تأمل ( قوله : وجنازة لم تتعين عليه بناء على سنيتها ) أي وأما على القول بوجوبها فيتيمم لها هذا ظاهره وليس كذلك بل متى كانت غير متعينة عليه فلا يتيمم لها سواء قلنا أنها فرض كفاية أو سنة كفاية وأما إن تعينت تيمم لها على القول بأنها فرض كفاية لا على القول بأنها سنة .

والحاصل أنه على القول بالسنية لا يتيمم لها مطلقا تعينت أم لا وعلى القول بالوجوب يتيمم لها إن تعينت وإلا فلا فقول الشارح لم تتعين عليه لا مفهوم له




الخدمات العلمية