الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3521 [ 1368 ] وعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس، عن أبيه قال: سمعت أبي وهو بحضرة العدو يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف". فقام رجل رث الهيئة ، فقال: يا أبا موسى! أنت سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا؟ قال: نعم ، قال: فرجع إلى أصحابه ، قال: أقرأ عليكم السلام، ثم كسر جفن سيفه فألقاه، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قتل .

                                                                                              رواه أحمد ( 4 \ 396 )، ومسلم (1902)، والترمذي (1659).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : ( الجنة تحت ظلال السيوف ) ; من الاستعارة البديعة، والألفاظ السهلة البليغة ; التي لا ينسج على منوالها ، ولا يقدر بليغ أن يأتي بمثالها. يعني بذلك : أن من خاض غمرات الحروب ، وباشر حال المسايفة كان له جزاء الجنة . وهذا من باب قوله : (الجنة تحت أقدام الأمهات) ; أي : من تذلل لهن ، وأطاعهن وصل إلى الجنة ، ودخلها .

                                                                                              وفي هذين الحديثين دليل على جواز استقتال الرجل نفسه في طلب الشهادة ، وإن علم أنه يقتل . وقد فعله كثير من الصحابة والسلف وغيرهم . وروي عن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما ، وهو قول مالك ، ومحمد بن الحسن ، [ ص: 737 ] غير أن العلماء كرهوا فعل ذلك لرأس الكتيبة ; لأنه إن هلك هلك جيشه. وقد روي عن عمر أيضا كراهية الاستقتال ، وقال : (لأن أموت على فراشي أحب إلي من أن أقتل بين يدي صف) . يعني : مستقتلا . ورأى بعض العلماء هذا الفعل من إلقاء اليد للتهلكة المنهي عنه .

                                                                                              قلت : وفي هذا بعد من وجهين :

                                                                                              أحدهما : أن أحسن ما قيل في الآية ; أنها فيمن ترك الإنفاق في الجهاد.

                                                                                              وثانيها : أن عملا يفضي بصاحبه إلى الشهادة ليس بتهلكة ، بل التهلكة : الإعراض عنه ، وترك الرغبة فيه .

                                                                                              ودل على ذلك الأحاديث المتقدمة كلها ، فلا يعدل عنها .




                                                                                              الخدمات العلمية