الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        28002 - قال مالك : الأمر المجتمع عليه عندنا ، أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له . نقدا كان أو دينا أو عرضا ، يعلم أو لا يعلم ، وإن كان للعبد من المال أكثر مما اشتري به ، كان ثمنه نقدا أو دينا أو عرضا ، وذلك أن مال العبد ليس على سيده فيه زكاة ، وإن كانت للعبد جارية استحل فرجها بملكه إياها ، وإن عتق العبد أو كاتب ، تبعه ماله ، وإن أفلس ، أخذ الغرماء ماله ، ولم يتبع سيده بشيء من دينه .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        28003 - قال أبو عمر : قوله في هذا الحديث : وله مال ، استدل به من قال : إن العبد يملك .

                                                                                                                        28004 - وقول : فماله للبائع استدل به من قال : إن العبد لا يملك ، فإن ما بيده من المال لسيده ، وإن أصابه المالك إليه ، فجاب كما يقال غنم الراعي ، وسرج الدابة ، وباب الدار .

                                                                                                                        [ ص: 33 ] 28005 - قالوا : وإنما قوله : وله مال كقوله : وبيده مال بدليل قوله : فماله للبائع ، فكيف يكون له مال ، ويكون في تلك الحال ذلك المال بعينه لسيده إذا باعه ؟ .

                                                                                                                        28006 - هذا ما لا يستقيم إلا على ما قلنا : إن ما بيده من المال لسيده .

                                                                                                                        28007 - واستدل من قال : إن العبد يملك : فإن عبد الله بن عمر كان يأذن لعبيده في التسري ، ولولا أنهم يملكون ما حل لهم من التسري ; لأن الله تعالى لم يحل الفرج إلا بنكاح ، أو ملك اليمين .

                                                                                                                        28008 - واحتج من قال بأن العبد لا يملك ، ولا يصح له ملك ما دام مملوكا بإجماع الأمة أن لسيده أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ، ومن غير كسبه .

                                                                                                                        28009 - وقالوا : إنما معنى إذن ابن عمر لعبيده في التسري ، لأنه كان يرى أن يزوج أمته من عبده بغير صداق ، فكان عنده إذنه من ذلك في هذا الباب .

                                                                                                                        28010 - قالوا : ولو كان العبد يملك لورث قرابته ، فلما أجمعوا أن العبد لا يرث ، دل على أن ما يحصل بيده من المال هو لسيده ، وأنه لا يملكه ولو ملكه ما انتزعه منه سيده كما لا ينتزع مال مكاتبه قبل العجز .

                                                                                                                        28011 - ولكلا الفريقين في هذه المسألة ضروب من الاحتجاج يطول ذكرها ليس كتابنا هذا بموضع لها .

                                                                                                                        28012 - وأما استدلال مالك بأن العبد ليس على سيده في ماله زكاة ، فإن [ ص: 34 ] معنى ذلك عنده ; لأن أكثر أهل العلم يرون أن الزكاة على سيده فيما بيده من المال .

                                                                                                                        28013 - وطائفة من أهل الظاهر ، منهم داود يقولون : إن العبد تلزمه الزكاة فيما بيده من المال ، وتلزمه الجمعة ، ويلزمه الحج إن أذن له سيده ، وتجوز شهادته .

                                                                                                                        28014 - وهذه الأقوال شذوذ عند الجمهور ، ولا خير في الشذوذ .

                                                                                                                        28015 - والاختلاف في تسري العبد قديم وحديث .

                                                                                                                        28016 - وكل من يقول : لا يملك العبد شيئا لا يجوز له التسري بحال من الأحول ولا يحل له وطء فرج إلا بنكاح يأذن له فيه سيده .

                                                                                                                        28017 - وقد ذكرنا الاختلاف في العبد المعتق ، هل يتبعه ماله إذا أعتق ؟ فيما تقدم من كتاب العتق .

                                                                                                                        28018 - وأما شراء العبد ، واشتراط ماله : 28019 - فذهب مالك ، وأصحابه في ذلك إلى ما ذكره في " الموطأ " .

                                                                                                                        28020 - قال ابن القاسم ، عن مالك : يجوز أن يشتري العبد ، وماله بدراهم إلى أجل ، وإن كان ماله دراهم ، أو دنانير ، أو غير ذلك من العروض .

                                                                                                                        [ ص: 35 ] 28021 - واختلفوا في اشتراط المشتري لبعض ما للعبد في صفقة نصفا ، أو ثلثا ، أو ربعا ، أو أقل ، أو أكثر : 28022 - فقال ابن القاسم : لا يجوز له أن يستثني نصفه ، ولا جزءا منه ، وإنما له أن يشترطه كله ، أو يدعه كله .

                                                                                                                        28023 - وقال أشهب : جائز أن يشترط نصفه ، أو ما شاء منه .

                                                                                                                        28024 - وقال أصبغ ، عن ابن القاسم : إن كان ما اشترى به العبد عروضا ، أو حيوانا ، فلا بأس أن يستثني نصف ماله ، وإن كان ماله ذهبا ، أو ورقا ، وكان الثمن ذهبا ، أو ورقا ، فلا يجوز أن يستثني نصف ماله ولا جزءا منه إلا أن يكون مال العبد عروضا أو حيوانا ودقيقا ويكون معلوما غير مجهول ، فإذا كان كذلك ، فكان الثمن عينا ذهبا ، أو ورقا جاز له أن يستثني ما شاء منه .

                                                                                                                        28025 - قال أبو عمر : من روى أن لا يشترط المبتاع بلا هاء الضمير ، فروايته حجة لمن قال : يشترط من ماله ما شاء ، فمن روى أن لا يشترطه المبتاع بالهاء ، فروايته حجة لابن القاسم ، ومن قال بقوله .

                                                                                                                        28026 - وقال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأصحابهما : إذا باع العبد ، وله مال ، فهو لمن باع شيئين ، لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في سائر البيوع .

                                                                                                                        28027 - قال الشافعي : لما كان مال العبد لا يدخل في صفقة رأسه إلا بالشرط دل على أنه ليس تبعا له ; لأن ما كان تبعا لا يحتاج إلى شرط في دخوله في [ ص: 36 ] الصفقة كجري مياه الدار ، ومنافعها ، ولما احتاج إلى الشرط كانت صفقة واحدة ، وقد جمعت شيئين ، ولا يجوز من ذلك إلا ما يجوز من شراء دابة ودراهم معها ، أو دار معها ، أو دنانير .

                                                                                                                        28028 - قال أبو عمر : للتابعين في مال العبد إذا بيع ، أو عتق ثلاثة أقوال : 28029 - ( أحدهما ) : أن ماله تبع له في البيع ، والعتق جميعا ، وممن قال ذلك : الحسن ، والزهري ، وهو قول داود وأبي ثور .

                                                                                                                        28030 - ( والثاني ) : أن ماله لسيده في العتق ، والبيع جميعا ، وكذلك إذا كان ممن كاتبه وممن قال بذلك قتادة وجماعة ، وإليه ذهب الشافعي ، والكوفيون .

                                                                                                                        28031 - ( والثالث ) : أن مال العبد تبع له في العتق ، وإن بيع ، فماله لسيده وللمشتري أن يشترطه إن شاء .

                                                                                                                        وممن قال ذلك إبراهيم النخعي .

                                                                                                                        وهو قول مالك والليث .

                                                                                                                        28032 - وقال عثمان البتي : إذا باع عبدا ، وله مال ألف درهم بألف درهم جاز إذا كانت الرغبة في العبد لا في الدرهم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية