الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 314 ] وممن توفي فيها من الأعيان : الشيخ الإمام العالم الزاهد ، مفتي المسلمين ، نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي الشافعي ، شارح " التنبيه " ، ولد سنة ستين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل بالفقه وغيره من فنون العلم ، فبرع فيها ، ولازم ابن دقيق العيد ، وناب عنه في الحكم ، ودرس بالمعزية ، والطيبرسية ، وجامع مصر ، وكان مشهورا بالفضيلة ، والديانة ، وملازمة الاشتغال ، توفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم ، ودفن بالقرافة ، وكانت جنازته حافلة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير سيف الدين قطلوبك الششنكير الرومي ، كان من أكابر الأمراء ، وولي الحجوبية في وقت ، وهو الذي عمر القناة بالقدس ، توفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول ، ودفن بتربته شمالي باب الفراديس ، وهي مشهورة حسنة ، وحضر جنازته بسوق الخيل النائب والأمراء .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محدث اليمن شرف الدين أحمد بن فقيه زبيد أبي الخير بن منصور الشماخي المذحجي ، روى عن المكيين وغيرهم ، وبلغت شيوخه خمسمائة أو أزيد ، وكان رحلة تلك البلاد ومفيدها الخير ، وكان فاضلا في صناعة الحديث [ ص: 315 ] والفقه وغير ذلك ، توفي في ربيع الأول من هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نجم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن محمد بن المسلم بن الحسن بن هلال بن الحسن بن عبد الله بن محمد الأزدي ، أحد رؤساء دمشق المشهورين ، له بيت كبير ، ونسب عريق ، ورياسة باذخة ، وكرم زائد ، باشر نظر الأيتام مدة ، وسمع الكثير ، وحدث ، وكانت له فضائل وفوائد ، وله الثروة الكثيرة . ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ، ومات يوم الاثنين ضحوة خامس ربيع الآخر ، وصلي عليه بعد الظهر بالجامع الأموي ، ودفن بسفح قاسيون بتربة أعدها لنفسه ، وقبر أرصده ، وكتب على قبره : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الآية [ الزمر : 53 ] وسمعنا عليه " الموطأ " وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير بكتمر بن عبد الله الحاجب ، صاحب الحمام المشهور خارج باب النصر في طريق مقابر الصوفية من ناحية الميدان ، كانت وفاته بالقاهرة في عشرين ربيع الآخر ، ودفن بمدرسته التي أنشاها إلى جانب داره هناك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ شرف الدين عيسى بن محمد بن قراجى بن سليمان السهروردي الصوفي الواعظ ، له شعر ومعرفة بالألحان والأنغام ، ومن شعره قوله : [ ص: 316 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بشراك يا سعد هذا الحي قد بانا فحلها تستظل الأيك والبانا     منازل ما وردنا طيب موردها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حتى شربنا كئوس الموت ألوانا     متنا غراما وشوقا في المسير فمذ
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وافى نسيم اللقا والقرب أحيانا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      توفي في ربيع الآخر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شيخنا العلامة برهان الدين الفزاري ، هو الشيخ الإمام العالم العلامة ، شيخ المذهب وعلمه ، ومفيد أهله ، شيخ الإسلام ، مفتي الفرق ، بقية السلف ، برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام المقرئ المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري البدري الشافعي ، ولد في ربيع الأول سنة ستين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل على أبيه ، وأعاد في حلقته ، وبرع وساد أقرانه وسائر أهل زمانه في دراية المذهب ونقله وتحريره ، ثم كان في منصب أبيه في التدريس بالبادرائية ، وأشغل الطلبة بالجامع الأموي ، فانتفع به المسلمون ، وقد عرضت عليه المناصب الكبار فأباها ، فمن ذلك أنه باشر الخطابة بعد عمه العلامة شرف الدين مدة ، ثم تركها وعاد إلى البادرائية ، وعرض عليه [ ص: 317 ] قضاء الشام بعد ابن صصرى ، وألح عليه نائب الشام بنفسه وأعوانه من الدولة فلم يقبل ، وصمم وامتنع أشد الامتناع ، وكان مقبلا على شأنه ، عارفا بزمانه ، مستغرقا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلا ونهارا ، كثير المطالعة وإسماع الحديث ، وقد سمعنا عليه " صحيح مسلم " ، وغيره ، وكان يدرس بالمدرسة المذكورة ، وله تعليق كبير على " التنبيه " ، فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره ، وله تعليق على " مختصر ابن الحاجب " في أصول الفقه ، وله مصنفات في غير ذلك كبار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وبالجملة فلم أر شافعيا من مشايخنا مثله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان رحمه الله حسن الشكل ، عليه البهاء ، والجلالة ، والوقار ، حسن الأخلاق ، فيه حدة ثم يعود قريبا ، وكرمه زائد ، وإحسانه إلى الطلبة كثير ، وكان لا يقتني شيئا ، بل يصرف مرتبه وجامكية مدرسته في مصالحه ، وقد درس بالبادرائية من سنة تسعين وستمائة إلى عامه هذا ، توفي بكرة يوم الجمعة سابع جمادى الأولى بالمدرسة المذكورة ، وصلي عليه عقب الجمعة بالجامع ، وحملت جنازته على الرءوس وأطراف الأنامل ، وكانت حافلة ، ودفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع مجد الدين إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الحراني الحنبلي ، ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة ، وقرأ القرآن ، [ ص: 318 ] وسمع الحديث في دمشق حين انتقل مع أهله إليها سنة إحدى وسبعين ، واشتغل على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ، ولازمه ، وانتفع به ، وبرع في الفقه ، وصحة النقل ، وكثرة الصمت عما لا يعنيه ، ولم يزل مواظبا على جهاته ووظائفه ، لا ينقطع عنها - إلا من عذر شرعي - إلى أن توفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى ، ودفن بباب الصغير ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذا الحين توفي الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الكريم ، الذي كان ناظر الدواوين بحلب ثم انتقل إلى نظرها بطرابلس ، توفي بحماة ، وكان محبا للعلماء وأهل الخير ، وفيه كرم وإحسان ، وهو والد القاضي ناصر الدين كاتب السر بدمشق ، وقاضي العساكر الحلبية ، والشيخ بالسميساطية ، ومدرس الأسدية بحلب ، والناصرية والشامية الجوانية بدمشق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي معين الدين هبة الله بن علم الدين مسعود بن أبي المعالي عبد الله بن أبي الفضل بن الحشيش ، الكاتب وناظر الجيش بمصر في بعض الأحيان ، ثم بدمشق مدة طويلة ، مستقلا ومشاركا لقطب الدين ابن شيخ [ ص: 319 ] السلامية ، وكان خبيرا بديوان الجيش يحفظه على ذهنه ، وكانت له يد جيدة في العربية والأدب والحساب ، وله نظم جيد ، وفيه تودد وتواضع ، توفي بمصر في نصف جمادى الآخرة ، ودفن بتربة الفخر كاتب المماليك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة وشيخ الشيوخ علاء الدين أبو الحسن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوي التبريزي الشافعي ، ولد بمدينة قونية في سنة ثمان وستين وستمائة تقريبا ، واشتغل هناك ، وقدم دمشق سنة ثلاث وتسعين ، وهو معدود من الفضلاء ، فازداد بها اشتغالا ، وسمع الحديث ، وتصدر للاشتغال بجامعها ، ودرس بالإقبالية ، ثم سافر إلى مصر فدرس بها في عدة مدارس كبار ، وولي مشيخة الشيوخ بها وبدمشق ، ولم يزل يشتغل بها وينفع الطلبة إلى أن قدم دمشق قاضيا عليها في سنة سبع وعشرين ، وله تصانيف في الفقه وغيره ، وكان يحرز علوما كثيرة ، منها النحو والتصريف ، والأصلان ، والفقه ، وله معرفة جيدة ب " كشاف الزمخشري " ، وفهم الحديث ، وفيه إنصاف كثير ، وأوصاف حسنة ، وتعظيم لأهل العلم ، وخرجت له مشيخة سمعناها عليه ، وكان يتواضع لشيخنا المزي كثيرا ، توفي ببستانه بالسهم يوم سبت بعد العصر رابع عشر ذي القعدة ، وصلي عليه من الغد ، ودفن بسفح قاسيون ، سامحه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير حسام الدين لاجين المنصوري الحسامي ، ويعرف بلاجين [ ص: 320 ] الصغير ، ولي البر بدمشق مدة ، ثم نيابة غزة ، ثم نيابة البيرة وبها مات في ذي القعدة ، ودفن هناك ، وكان ابتنى تربة لزوجته ظاهر باب شرقي فلم يتفق دفنه بها وما تدري نفس بأي أرض تموت [ لقمان : 34 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصاحب عز الدين أبو يعلى حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين أبي غالب المظفر ابن الوزير مؤيد الدين أبي المعالي بن أسعد ابن العميد أبي يعلى بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ، ابن القلانسي ، أحد رؤساء دمشق الكبار ، ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ، وسمع الحديث من جماعة ، ورواه ، وسمعنا عليه ، وله رياسة باذخة ، وأصالة كثيرة ، وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا ، ولم يزل معه صناعة الوظائف إلى أن ألزم بوكالة بيت السلطان ، ثم بالوزارة في سنة عشر كما تقدم ، ثم عزل ، وقد صودر في بعض الأحيان ، وكانت له مكارم على الخواص والكبار ، وله إحسان إلى الفقراء والمحتاجين ، ولم يزل معظما وجيها عند الدولة من النواب والملوك والأمراء وغيرهم ، إلى أن توفي ببستانه ليلة السبت سادس ذي الحجة ، وصلي عليه من الغد ، ودفن بتربته بسفح قاسيون ، وله في الصالحية رباط حسن بمئذنة ، وفيه دار حديث ، وبر وصدقة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية