الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  5228 4 - حدثني مسدد، حدثنا سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وحاضت بسرف قبل أن تدخل مكة، وهي تبكي، فقال: ما لك أنفست؟ قالت: نعم، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت، فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه بالبقر.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة; لأن فيه أضحية المسافر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مسافرا، وفيه تعرض للأضحية للنساء، وهو ظاهر.

                                                                                                                                                                                  فالكلام هنا في فصلين:

                                                                                                                                                                                  الأول: هل يجب على المسافر أضحية؟ اختلفوا فيه، فقال الشافعي: هي سنة على جميع الناس، وعلى الحاج بمنى، وبه قال أبو ثور، وقال مالك: لا أضحية عليه، ولا يؤمر بتركها إلا الحاج بمنى، وذكر ابن المواز عن مالك: أن من لم يحج من أهل مكة ومنى فليضح، وحكى ابن بطال أن مذهب ابن عمر أن الأضحية تلزم المسافر.

                                                                                                                                                                                  قلت: قد مر أن ابن عمر قال: هي سنة ومعروف. نعم هو قول الأوزاعي، والليث، وقال أبو حنيفة: لا تجب على المسافر أضحية، وعن النخعي: رخص للحاج والمسافر أن لا يضحي.

                                                                                                                                                                                  الفصل الثاني: أن من أوجب الأضحية أوجبها على النساء، ومن لم يوجبها لم يوجبها عليهن، واستحبها في حقهن.

                                                                                                                                                                                  وسفيان في السند هو ابن عيينة، وعبد الرحمن يروي عن أبيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، عن عائشة أم المؤمنين.

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في أول كتاب الغسل في كتاب الطهارة، فإنه أخرجه هناك عن علي بن عبد الله المديني، عن سفيان .. إلى آخره، ومضى الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (بسرف) بفتح السين المهملة، وكسر الراء، وفتح الفاء، وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال، قال النووي: قيل: ستة، وقيل: سبعة، وقيل: تسعة، وقيل: عشرة، وقيل: اثني عشر ميلا.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أنفست) معناه أحضت، وهو بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان، والفتح أفصح، والفاء مكسورة فيهما، وأما النفاس الذي هو الولادة، فيقال فيه نفست بالضم لا غير.

                                                                                                                                                                                  قوله: (هذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم) هذا تسلية لها وتخفيف لها، ومعناه أنك لست بمختصة به بل كل بنات آدم يكون هذا منهن، كما يكون من الرجل ومنهن البول والغائط وغيرهما، وقال النووي: استدل البخاري بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان في جميع بنات آدم، وأنكر به على من قال: إن الحيض أول ما وقع في بني إسرائيل.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فاقضي) أي افعلي كما في الرواية الأخرى: فاصنعي.

                                                                                                                                                                                  وفيه دليل على أن الطواف [ ص: 147 ] لا يصح من الحائض، وهذا مجمع عليه، ولكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف، فقال مالك، والشافعي، وأحمد: هي شرط، وقال أبو حنيفة: ليست بشرط، وبه قال داود، فمن شرط الطهارة قال: العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة، ومن لم يشترطها قال: العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه) وفي رواية مسلم: عن نسائه. قال النووي: هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية