الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة : قوله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } : معناه افعلوا العزل أي اكتسبوه ، وهو الفصل بين المجتمعين عارضا لا أصلا .

                                                                                                                                                                                                              المسألة العاشرة : اختلف العلماء في مورد العزل ومتعلقه على أربعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : جميع بدنها . فلا يباشره بشيء من بدنه ; قاله ابن عباس ، وعائشة في قول ، وعبيدة السلماني .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : الفرج ; قالته حفصة ، وعكرمة ، وقتادة ، والشعبي ، والثوري ، وأصبغ .

                                                                                                                                                                                                              الرابع : الدبر ; قاله مجاهد ، وروي عن عائشة معناه .

                                                                                                                                                                                                              فأما من قال : إنه جميع بدنها فتعلق بظاهر قوله تعالى : { النساء } ; وهذا عام فيهن في جميع أبدانهن ، والمروي في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع معي وأنا حائض وبيني وبينه ثوب } .

                                                                                                                                                                                                              وقالت أيضا : { كانت إحدانا إذا كانت حائضا ، أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتزر في فور حيضتها ثم يباشرها } .

                                                                                                                                                                                                              قالت : { وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه } ؟ وهذا يقتضي خصوص النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحالة .

                                                                                                                                                                                                              وقد روي عن { بدرة مولاة ابن عباس قالت : بعثتني ميمونة بنت الحارث وحفصة بنت عمر إلى امرأة ابن عباس رضي الله عنهم ، وكانت بينهما قرابة من جهة النساء . فوجدت فراشه معتزلا فراشها ، فظننت أن ذلك عن الهجران ، فسألتها فقالت : إذا طمثت اعتزل فراشي ; فرجعت فأخبرتها بذلك فردتني إلى ابن عباس وقالت : تقول لك أمك : أرغبت عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام مع المرأة [ ص: 226 ] من نسائه وإنها حائض ، وما بينها وبينه إلا ثوب ما يجاوز الركبتين } .

                                                                                                                                                                                                              وهذا إن صح عن ابن عباس فإنما كان ذلك على معنى الراحة من مضاجعة المرأة في هذه الحالة .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : ما بين السرة إلى الركبة فهو الصحيح ، ودليله { قوله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل عما يحل من الحائض . فقال : لتشد عليها إزارها ثم شأنه بأعلاها } .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : إنه الفرج خاصة فقوله في الصحيح : { افعلوا كل شيء إلا النكاح } . وأيضا فإنه حمل الآية على حماية الذرائع ، وخص الحكم وهو التحريم بموضع العلة وهو الفرج ; ليكون الحكم طبقا للعلة يتقرر بتقرر العلة إذا أوجبته خاصة ، فإذا أثارت العلة نطقا تعلق الحكم بالنطق وسقط اعتبار العلة ، كما بينا في السعي من قبل ; فإنه كان الرمل فيه لعلة إظهار الجلد للمشركين ; ثم زالت ، ولكن شرعه النبي صلى الله عليه وسلم دائبا يثبت بالقول والفعل مستمرا ، ولذلك أمثلة في الفروع وأدلة في الأصول .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : الدبر ، فروى المقصرون الغافلون عن عائشة رضي الله عنها : " إذا حاضت المرأة حرم حجرها " ، وهذا باطل ذكرناه لنبين حاله .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : { افعلوا كل شيء إلا النكاح } ، فمعناه الإذن في الجماع ; ولم يبين محله ، وقوله : { شأنك بأعلاها } ، بيان لمحله .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية