الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 338 ] وممن توفي فيها من الأعيان : قاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر ابن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي ، ولد سنة خمس وستين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل على والده ، واستنابه في أيام ولايته ، فلما ولي ابن مسلم لزم بيته يحضر درس الجوزية ودار الحديث الأشرفية بالجبل ويأوي إلى بيته ، فلما توفي ابن مسلم ولي قضاء الحنابلة بعده نحوا من أربع سنين ، وكان فيه تواضع وتودد ، وقضاء لحوائج الناس ، وكانت وفاته يوم الأربعاء تاسع صفر ، وكان يوما مطيرا ، ومع هذا شهد الناس جنازته ، ودفن بتربتهم ، رحمهم الله ، وولي بعده نائبه شرف الدين بن الحافظ ، وقد قارب الثمانين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي نصف صفر توفي الأمير سيف الدين قجليس سيف النقمة ، وقد كان سمع على الحجار ووزيرة بالقدس الشريف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير سيف الدين أرغون بن عبد الله الدودار الناصري ، وقد عمل على نيابة مصر مدة طويلة ، ثم غضب عليه السلطان ، فأرسله إلى نيابة حلب ، فمكث بها مدة ، ثم توفي بها في سابع عشر ربيع الأول ، ودفن بتربة [ ص: 339 ] اشتراها بحلب وقد كان عنده فهم وفقه ، وفيه ديانة واتباع للشريعة ، وقد سمع " البخاري " على الحجار ، وكتبه جميعه بخطه ، وأذن له بعض العلماء في الإفتاء ، وكان يميل إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو بمصر ، توفي ولم يكمل الخمسين سنة ، وكان يكره اللهو ، رحمه الله ، ولما خرج يلتقي نهر الساجور خرج في ذل ومسكنة ، وخرج معه الأمراء كذلك مشاة في تكبير وتهليل وتحميد ، ومنع المغاني من اللهو واللعب في ذلك ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي ضياء الدين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة بن سليمان الأذرعي الشافعي ، تنقل في ولاية الأقضية بمدارس كثيرة مدة ستين سنة ، وحكم بطرابلس ، ونابلس ، وعجلون ، وحمص ، وزرع ، وغيرها ، وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر ، وكان عنده فضيلة ، وله نظم كثير ، نظم " التنبيه " في نحو ستة عشر ألف بيت ، وتصحيحه في ألف وثلاثمائة بيت ، وله مدائح ، ومواليا ، وأزجال ، وغير ذلك ، ثم كانت وفاته بالرملة يوم الجمعة ثالث عشرين ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة ، رحمه الله ، وله عدة أولاد منهم; عبد الرزاق ، أحد الفضلاء ، وهو ممن جمع بين علمي الشريعة والطبيعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 340 ] أبو دبوس عثمان بن سعيد المغربي ، تملك في وقت بلاد قابس ، ثم تغلب عليه جماعة فانتزعوها منه ، فقصد مصر فأقام بها ، وأقطع إقطاعا ، وكان يركب مع الجند في زي المغاربة متقلدا سيفا ، وكان حسن الهيئة ، يواظب على الخدمة إلى أن توفي في جمادى الأولى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الإمام العلامة ضياء الدين أبو العباس أحمد بن قطب الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي الشافعي ، مدرس الحسامية ، ونائب الحكم بمصر ، وأعاد في أماكن كثيرة ، وتفقه على والده ، توفي في جمادى الآخرة ، وتولى الحسامية بعده ناصر الدين التبريزي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصدر الكبير تاج الدين الكارمي ، المعروف بابن الدماميني ، كان من أكابر التجار الكارمية بمصر ، توفي في جمادى الآخرة ، يقال : إنه خلف مائة ألف دينار ، غير البضائع ، والأثاث ، والأملاك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الإمام العلامة فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان [ ص: 341 ] بن المارديني التركماني الحنفي ، شرح فخر الدين هذا " الجامع الكبير " ، وألقاه دروسا في مائة كراس ، توفي في رجب وله إحدى وسبعون سنة ، كان شيخا عالما فاضلا ، موقرا فصيحا ، حسن المفاكهة ، وله نظم حسن ، وولي بعده المنصورية ولده تاج الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تقي الدين عمر بن الوزير شمس الدين محمد بن عثمان بن السلعوس ، كان صغيرا لما مات أبوه تحت العقوبة ، ثم نشأ في الخدم ، ثم طلبه السلطان في آخر وقت فولاه نظر الدواوين بمصر ، فباشره يوما واحدا ، وحضر بين يدي السلطان يوم الخميس ، ثم خرج من عنده وقد اضطرب حاله ، فما وصل إلى منزله إلا في محفة ، ومات بكرة يوم السبت سادس عشرين ذي القعدة ، وصلي عليه بجامع عمرو بن العاص ، ودفن عند والده بالقرافة ، وكانت جنازته حافلة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جمال الدين أبو العباس أحمد بن شرف الدين بن جمال الدين محمد بن أبي الفتح نصر الله بن المظفر بن أسد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ، ابن القلانسي ، قاضي العساكر ، ووكيل بيت المال ، ومدرس الأمينية وغيرها ، حفظ " التنبيه " ، ثم " المحرر " للرافعي ، وكان يستحضره ، واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري ، وتقدم لطلب العلم [ ص: 342 ] والرئاسة ، وباشر جهات كبارا ، ودرس في أماكن ، وتفرد في وقته بالرئاسة في البيت ، والمناصب الدينية والدنيوية ، وكان فيه تواضع ، وحسن سمت ، وتودد ، وإحسان ، وبر بأهل العلم والفقراء والصالحين ، وهو ممن أذن له في الإفتاء ، وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة ، فأفاد وأجاد ، وأحسن التعبير ، وعظم في عيني ، توفي يوم الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة ، ودفن بتربتهم بالسفح ، وقد سمع الحديث على جماعة من المشايخ ، وخرج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية