الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي رحمه الله تعالى : " ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النجش ( قال الشافعي ) والنجش خديعة ، وليس من أخلاق أهل الدين ، وهو أن يحضر السلعة تباع فيعطي بها الشيء وهو لا يريد شراءها : ليقتدي بها السوام ، فيعطي بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يعلموا سومه ، فهو عاص لله بنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعقد الشراء نافذ : لأنه غير النجش " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح . روى الشافعي ، عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : لا تناجشوا .

                                                                                                                                            فأصل النجش : هو الإثارة للشيء ، ولهذا قيل للصياد : النجاش ، والناجش لإثارته للصيد ، وكذا قيل لطالب الشيء نجاش ، فالطلب نجش .

                                                                                                                                            وقال الشاعر :


                                                                                                                                            فما لها الليلة من إنفاش غير السرى وسائق نجاش

                                                                                                                                            [ ص: 343 ] وحقيقة النجش المنهي عنه في البيع أن يحضر الرجل السوق فيرى السلعة تباع لمن يزيد ، فيزيد في ثمنها وهو لا يرغب في ابتياعها : ليقتدي به الراغب فيزيد لزيادته ظنا منه أن تلك الزيادة لرخص السلعة اغترارا به . فهذا خديعة محرمة . وقد قال صلى الله عليه وسلم : " المكر والخديعة وصاحبهما في النار " .

                                                                                                                                            وقال صلى الله عليه وسلم : " لا خلابة في الإسلام " أي : لا خديعة .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن النجش حرام فالبيع لا يبطل : لأن المشتري وإن اقتدى به فقد زاد باختياره ، فإن علم المشتري بحال الناجش من غروره ، وأراد فسخ البيع به ، نظر في حال الناجش فإن كان قد نجش وزاد من قبل نفسه من غير أن يكون البائع قد نصبه للزيادة ، كان الناجش هو العاصي والبيع لازم للمشتري ، ولا خيار له في فسخه : لأنه لم يكن من البائع تدليس في بيعه .

                                                                                                                                            وإن كان البائع قد نصب الناجش للزيادة ، ففي خيار المشتري وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : له الخيار : لأن ذلك تدليس من البائع .

                                                                                                                                            والثاني : لا خيار له : لأن الزيادة زادها عن اختياره . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية