الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان : الشيخ الأجل التاجر الصدوق بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله ، عتيق النقيب شجاع الدين إدريس ، وكان رجلا حسنا يتجر في الجوخ ، مات فجأة عصر يوم الخميس خامس المحرم ، وخلف أولادا وثروة ، ودفن بباب الصغير ، وله بر وصدقة ومعروف ، وسبع بمسجد ابن هشام .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصدر أمين الدين محمد بن فخر الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن أبي العيش الأنصاري الدمشقي ، [ ص: 367 ] باني المسجد المشهور به بالربوة ، على حافة بردى ، والطهارة الحجارة إلى جانبه ، والسوق الذي هناك ، وله بجامع النيرب ميعاد ، ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة ، وسمع " البخاري " ، وحدث به ، وكان من أكابر التجار ذوي اليسار ، توفي بكرة الجمعة سادس المحرم ، ودفن بتربته بقاسيون ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخطيب الإمام العالم عماد الدين أبو حفص عمر بن الخطيب ظهير الدين عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي الزهري النابلسي ، خطيب القدس ، وقاضي نابلس مدة طويلة ، ثم جمع له بين خطابة القدس وقضائها ، وله اشتغال ، وفيه فضيلة ، وشرح " صحيح مسلم " في مجلدات ، وكان سريع الحفظ ، سريع الكتابة ، توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم ، ودفن بماملا ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصدر شمس الدين محمد بن إسماعيل بن حماد ، التاجر بقيسارية الشرب ، كتب المنسوب ، وانتفع به الناس ، وولي سمسرة التجار; لأمانته ، وديانته ، وكانت له معرفة ومطالعة في الكتب ، توفي تاسع صفر عن نحو ستين سنة ، ودفن بقاسيون ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 368 ] جمال الدين قاضي القضاة الزرعي ، هو أبو الربيع سليمان ابن الخطيب مجد الدين عمر بن سالم بن عمر بن عثمان الأذرعي الشافعي ، ولد سنة خمس وأربعين وستمائة بأذرعات ، واشتغل بدمشق فحصل ، وناب في الحكم بزرع مدة ، فعرف بالزرعي لذلك ، وإنما هو من أذرعات ، وأصله من بلاد المغرب ، ثم ناب بدمشق ، ثم انتقل إلى مصر ، فناب في الحكم بها ، ثم استقل بولاية القضاء بها نحوا من سنة ، ثم ولي قضاء الشام مدة مع مشيخة الشيوخ نحوا من سنة أيضا ، ثم عزل وبقي على مشيخة الشيوخ مع تدريس الأتابكية مدة ، ثم تحول إلى مصر فولي بها التدريس وقضاء العسكر ، ثم توفي بها يوم الأحد سادس صفر ، وقد قارب التسعين رحمه الله ، وقد خرج له الشيخ علم الدين البرزالي مشيخة ، سمعناها عليه وهو بدمشق عن اثنين وعشرين شيخا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العالم الزاهد زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلبكي الحنبلي ، أحد فضلاء الحنابلة ، ومن صنف في الحديث ، والفقه ، والتصوف ، وأعمال القلوب ، وغير ذلك ، كان فاضلا له أعمال كثيرة ، [ ص: 369 ] وقد وقعت له كائنة في أيام الظاهر ، أنه أصيب في عقله أو زوال فكره ، أو قد عمل على الرياضة فاحترق باطنه من الجوع ، فرأى خيالات لا حقيقة لها ، فاعتقد أنها أمر خارجي ، وإنما هو خيال فكري فاسد ، وكانت وفاته في نصف صفر ببعلبك ، ودفن بباب سطحا ، ولم يكمل الستين ، وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب ، وعلى القاضي الزرعي معا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير شهاب الدين قرطاي ، نائب طرابلس ، له أوقاف وصدقات ، وبر ، وصلات ، توفي بطرابلس يوم الجمعة ثامن عشر صفر ، ودفن هناك ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ عبد الله بن يوسف بن أبي بكر الإسعردي المؤقت ، كان فاضلا في صناعة الميقات وعلم الأصطرلاب وما جرى مجراه ، بارعا في ذلك ، غير أنه لا ينتفع به; لسوء أخلاقه وشراستها ، ثم إنه ضعف بصره ، فسقط من قيسارية بحسي ، فمات عشية السبت عاشر ربيع الأول ، ودفن بباب الصغير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 370 ] الأمير سيف الدين بلبان طرنا بن عبد الله الناصري ، كان من المقدمين بدمشق ، وجرت له فصول يطول ذكرها ، ثم توفي بداره عند مئذنة فيروز ليلة الأربعاء حادي عشرين ربيع الأول ، ودفن بتربة اتخذها إلى جانب داره ، ووقف عليها مقرئين ، ورتب عندها مسجدا بإمام ومؤذن .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن قاضي حران ، ناظر الأوقاف بدمشق ، مات الليلة التي مات فيها الذي قبله ، ودفن بقاسيون ، وتولى مكانه عماد الدين الشيرازي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام ذو الفنون تاج الدين أبو حفص عمر بن علي بن سالم بن عبد الله اللخمي الإسكندراني ، المعروف بابن الفاكهاني ، ولد سنة أربع وخمسين وستمائة ، وسمع الحديث ، واشتغل بالفقه على مذهب الإمام مالك ، وبرع ، وتقدم في معرفة النحو وغيره ، وله مصنفات في أشياء متفرقة ، قدم دمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة في أيام الأخنائي ، فأنزله بالعادلية ، وسمعنا [ ص: 371 ] عليه ومعه ، وحج من دمشق عامئذ ، وسمع عليه في الطريق ، ورجع إلى بلاده ، توفي ليلة الجمعة سابع جمادى الأولى ، وصلي عليه بدمشق حين بلغهم خبر موته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الصالح العابد الناسك أمين الدين أيمن بن محمد ، وكان يذكر أن اسمه محمد بن محمد بن محمد إلى سبعة عشر نفسا ، كلهم اسمه محمد ، وقد جاور بالمدينة مدة سنين إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ربيع الأول ، ودفن بالبقيع ، وصلي عليه بدمشق صلاة الغائب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ نجم الدين القبابي الحموي ، عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي - القباب قرية من قرى أشمون الرمان - أقام بحماة في زاوية يزار ويلتمس دعاؤه ، كان عابدا ورعا زاهدا ، أمارا بالمعروف ، ونهاء عن المنكر ، حسن الطريقة ، إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة ، وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ، ودفن شمالي حماة ، كان عنده فضيلة ، واشتغل على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، وله كلام حسن يؤثر عنه ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 372 ] الشيخ فتح الدين بن سيد الناس ، الحافظ العلامة البارع فتح الدين أبو الفتح محمد ابن الإمام أبي عمرو محمد ابن الإمام الحافظ الخطيب أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى ابن سيد الناس الربعي اليعمري الأندلسي الإشبيلي ثم المصري ، ولد في العشر الأول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة ، وسمع الكثير ، وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ، ودخل دمشق سنة تسعين ، وسمع من أصحاب الكندي وغيرهم ، واشتغل بالعلم ، فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث ، والفقه ، والنحو من العربية ، وعلم السير ، والتواريخ ، وغير ذلك من الفنون ، وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين ، وشرح قطعة صالحة من أول " جامع الترمذي " رأيت منها مجلدا بخطه الحسن ، وقد حرر وحبر ، وأفاد وأجاد ، ولم يسلم من بعض الانتقاد ، وله الشعر الرائق الفائق ، والنثر الموافق ، والبلاغة التامة ، وحسن الترصيف والتصنيف ، وجودة البديهة ، وحسن [ ص: 373 ] الطوية ، وله العقيدة السلفية الموضوعة على الآي والأخبار والآثار ، والاقتفاء بالآثار النبوية ، ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر ، الله يتولاه فيها ، وله مدائح في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حسان ، وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر ، وخطيب جامع الخندق ، ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد ، والمتون ، والعلل ، والفقه ، والملح ، والأشعار ، والحكايات ، توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان ، وصلي عليه من الغد ، وكانت جنازته حافلة ، ودفن عند ابن أبي حمزة رحمه الله ، وجعل الجنة مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي مجد الدين حرمي بن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي ، وكيل بيت المال ، ومدرس الشافعي وغيره ، كانت له همة ونهضة ، وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشتغل ، ويلقي الدروس من حفظه إلى أن توفي ثاني ذي الحجة ، وولي تدريس الشافعي بعده شمس الدين بن القماح ، والمدرسة القطبية بهاء الدين بن عقيل ، وولي الوكالة نجم الدين الإسعردي المحتسب ، وهو كان وكيل بيت الظاهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 374 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية