الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) يقع ( ب ) قوله ( أنت طالق بائن أو ألبتة ) وقال الشافعي : يقع رجعيا لو موطوءة ( أو أفحش الطلاق أو طلاق الشيطان أو البدعة ، أو أشر الطلاق ، [ ص: 277 ] أو كالجبل أو كألف ، أو ملء البيت ، أو تطليقة شديدة ، أو طويلة ، أو عريضة أو أسوه ، أو أشده ، أو أخبثه ) أو أخشنه ( أو أكبره أو أعرضه أو أطوله ، أو أغلظه أو أعظمه واحدة بائنة ) في الكل لأنه وصف الطلاق بما يحتمله ( إن لم ينو ثلاثا ) في الحرة وثنتين في الأمة ، فيصح لما مر ، [ ص: 278 ]

كما لو نوى بطالق واحدة وبنحو بائن أخرى فيقع ثنتان بائنتان ; ولو عطف وقال وبائن أو ثم بائن ولم ينو شيئا فرجعية ; ولو بالفاء فبائنة ذخيرة .

التالي السابق


( قوله ويقع إلخ ) شروع في بيان وقوع البائن بوصف الطلاق بما ينبئ عن الشدة والزيادة نهر ، وفاعل يقع قوله الآتي واحدة بائنة ( قوله ألبتة ) مصدر بت أمره إذا قطع به وجزم نهر ( قوله وقال الشافعي إلخ ) كان المناسب ذكره بعد قوله واحدة بائنة ، وذكره هنا لأنه محل الخلاف دون الألفاظ التي بعده كما يفيده كلام الهداية لكن كلام درر البحار وشرحه يفيد أن الخلاف في الكل . ( قوله أو أفحش الطلاق ) أشار به إلى كل وصف على أفعل مما يأتي لأنه للتفاوت وهو يحصل بالبينونة ، وهو أفحش من الطلاق الرجعي بحر ( قوله أو طلاق الشيطان أو البدعة ) وإنما وقع بائنا ، لأن الرجعي سني غالبا . فإن قلت : قد تقدم في الطلاق البدعي أنه لو قال : أنت طالق للبدعة أو طلاق البدعة ولا نية ، فإن كان في طهر فيه جماع أو في حالة الحيض أو النفاس وقعت واحدة من ساعته ، وإن كان في طهر لا جماع فيه لا يقع في الحال حتى تحيض أو يجامعها في ذلك الطهر . قلت : لا منافاة بينهما لأن ما ذكروه هنا هو وقوع الواحدة البائنة بلا نية أعم من كونه تقع الساعة أو بعد وجود شيء بحر ، لكن قال في النهر مقتضى كلام المصنف وقوع بائنة للحال وإن لم تتصف بهذا الوصف لأن البدعي لم ينحصر فيما ذكره ، إذ البائن بدعي كما مر . ا هـ . قلت : وبوقوع البائنة للحال صرح في شرح درر البحار . ويرد عليه أيضا ما في البدائع من هذا الباب : ولو قال أنت طالق للبدعة فهي واحدة رجعية لأن البدعة قد تكون في البائن ، وقد تكون في الطلاق حالة الحيض فيقع الشك في البينونة فلا تثبت بالشك ، وكذا إذا قال طلاق الشيطان . وروي عن أبي يوسف في أنت طالق [ ص: 277 ] للبدعة إذا نوى واحدة بائنة صح لأن لفظه يحتمل ذلك . ا هـ . لكن في الهداية ذكر أولا وقوع البائن ثم ذكر ما عن أبي يوسف ، ثم قال : وعن محمد يكون رجعيا ، فعلم أن ما ذكره أولا قول الإمام وعليه المتون ، وما في البدائع أولا قول محمد ، وما نقله في البحر فالظاهر أنه مبني على قول أبي يوسف لأنه لم يوقع البائن إلا بنيته ، فإذا لم ينوه فهو على التفصيل الذي ذكره في البحر تأمل ( قوله أو كالجبل ) قال في البحر : الحاصل أن الوصف بما ينبئ عن الزيادة يوجب البينونة والتشبيه كذلك أي شيء كان المشبه به كرأس إبرة وكحبة خردل وكسمسمة لاقتضاء التشبيه الزيادة واشترط أبو يوسف ذكر العظم مطلقا . وزفر أن يكون عظيما عند الناس ، فرأس إبرة بائن عند الأول فقط وكالجبل عند الأول والثالث فقط ، وكعظم الجبل عند الكل ، وكعظم إبرة عند الأولين . ومحمد قيل مع الأول ، وقيل مع الثاني ( قوله أو كألف ) لاحتمال كون التشبيه في القوة أو في العدد ، فإن نوى الثاني وقع الثلاث وإلا يثبت الأقل وهو البينونة وكذا مثل ألف ومثل ثلاث ، بخلاف كعدد الألف أو كعدد الثلاث فثلاث بلا نية ، وفي واحدة كألف واحدة اتفاقا وإن نوى الثلاث ، لأن الواحدة لا تحتمل الثلاث وتمامه في البحر ( قوله أو ملء البيت ) وجه البينونة به أن الشيء قد يملأ البيت لعظمه في نفسه وقد يملؤه لكثرته فأيهما نوى صحت نيته ، وعند عدمها يثبت الأقل بحر . ( قوله أو تطليقة شديدة إلخ ) لأن ما يصعب تداركه يشتد عليه ويقال فيه لهذا الأمر طول وعرض وهو البائن بحر ، قيد بذكر التطليقة لأن لو قال : أنت طالق قوية أو شديدة أو طويلة أو عريضة كان رجعيا لأنه لا يصلح صفة للطلاق بل للمرأة قاله الإسبيجابي ، وبطويلة لأنه لو قال : طول كذا أو عرض كذا لم تصح نية الثلاث وإن كانت بائنة أيضا نهر ( قوله أو أخشنه ) بالشين المعجمة قبل النون ويرجع إلى معنى الأشدية ط ( قوله أو أكبره ) بالباء الموحدة ، أما أكثره بالمثناة أو المثلثة فيأتي قريبا ( قوله لأنه وصف الطلاق بما يحتمله ) وهو البينونة فإنه يثبت به البينونة قبل الدخول للحال ، وكذا عند ذكر المال وبعده إذا انقضت العدة بحر ( قوله فيصح لما مر ) أي في أول هذا الباب من أنه مصدر يحتمل الفرد الاعتباري ، وهو الثلاثة في الحرة والثنتان في الأمة فتصح نيته ، والفاء في جواب شرط محذوف : أي فإن نوى ما ذكر صح أفاده ح . فإن قالت لم يذكر المصدر في نحو أشد الطلاق . قلت : قال في الفتح : وإن المعنى طالق طلاقا هو أشد الطلاق لأن أفعل التفضيل بعض ما أضيف إليه ، فكان أشد معبرا به عن المصدر الذي هو الطلاق [ تنبيه ] ظاهر كلامه صحة نية الثلاث في جميع ما مر . وقال في النهر : لكن قال العتابي : الصحيح أنها لا تصح في تطليقة شديدة أو طويلة أو عريضة لأن النية إنما تعمل في المحتمل وتطليقة بتاء الوحدة لا تحتمل الثلاث ونسبه إلى السرخسي ا هـ ومثله في الفتح والبحر . قلت : لكن المتون على خلافه . وقد يجاب بأن التاء لا يلزم أن تكون هنا للوحدة بل لتأنيث اللفظ أو زائدة كقولهم في الذنب ذنبة ، وفي أمثال العرب : إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته ذكره الزمخشري ; ولو سلم أن التاء هنا للوحدة فيجاب بأنهم قد عللوا صحة نية الثلاث في جميع ما مر بأنه وصف الطلاق بالبينونة ، وهي نوعان : خفيفة وغليظة ، فإذا نوى الثانية صح ، فيقال حينئذ : إن تاء الوحدة لا تنافي إرادة البينونة الغليظة وهي ما لا تحل له المرأة معها إلا بزوج آخر ، فليس المراد أنه نوى بها أنت طالق ثلاث طلقات بل نوى حكم الثلاث وهو البينونة الغليظة ، ونظيره [ ص: 278 ] قولهم : لو نوى الثلاث بأنت بائن أو حرام فهي ثلاث ، فإن معناه لو نوى حكم الثلاث لا لفظها لأن اللفظ بائن وحرام لا يفيد ذلك فكذلك هنا ، على أن الثلاث فرد اعتباري ولهذا صح إرادته بالمصدر ولم تصح إرادة الثنتين به لأنهما عدد محض ، وفرديته باعتبار ما قلنا ، فلا ينافي تاء الوحدة " هذا ما ظهر لي . ( قوله كما لو نوى ) تشبيه في الصحة ط ( قوله وبنحو بائن ) أي من كل كناية قرنت بطالق كما في الفتح والبحر ( قوله فيقع ثنتان بائنتان ) أي على أن التركيب خبر بعد خبر ، ثم بينونة الأولى ضرورة بينونة الثانية إذ معنى الرجعي كونه بحيث يملك رجعتها وذلك منتف باتصال البائنة الثانية ، فلا فائدة في وصفها بالرجعية فتح ( قوله ولو عطف إلخ ) محترز تقييد المصنف المسألة بدون عطف ( قوله فرجعية ) أي فهي طالق طلقة رجعية ذخيرة ( قوله ولو بالفاء فبائنة ) أي إذا لم ينو شيئا كما أفاده في الذخيرة بقوله ولو عطف بالفاء وباقي المسألة بحالها ، فهي طالق طلقة بائنة ا هـ ولعل وجه الفرق أن الفاء للتعقيب بلا مهلة ، والطلاق الذي يعقبه البينونة لا يكون إلا بائنا ; أما الواو فلا تقتضي التعقب بل تصلح له وللتراخي الذي هو معنى ثم والطلاق الذي تتراخى عنه البينونة لا يلزم كونه بائنا فيكون قوله وبائن لغوا ، ولا تحتمل الواو على التعقيب لأنه عند الاحتمال يراد الأدنى وهو الرجعي هنا ، كما لا يراد تكرير الإيقاع لعدم النية ; وانظر لم لم يتعين تكرير الإيقاع مع وجود مذاكرة الطلاق فإن الأصل في العطف المغايرة ، فكان ينبغي وقوع بائنتين مع الواو وثم ، ومفهوم التقييد بعدم النية أنه لو نوى تكرير الإيقاع مع الحروف الثلاثة أو نوى بالبائن الثلاث أنه يقع ما نوى .




الخدمات العلمية