الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
369 - ( 40 ) - حديث عبد الله بن أبي أوفى : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده ، اللهم ربنا لك الحمد ، ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما شئت بعد } مسلم بهذا ، وزاد في آخره { اللهم طهرني بالثلج ، والبرد ، والماء البارد }.

370 - ( 41 ) - حديث علي : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول مع الدعاء المذكور يعني في حديث ابن أبي أوفي { أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد }لم أجده من حديث علي ، بل رواه مسلم من حديث [ ص: 442 ] أبي سعيد الخدري ، ومن حديث ابن عباس بتمامه ، ورواه ابن ماجه من حديث أبي جحيفة ، وفيه قصة .

( تنبيه ) وقع في المهذب كما وقع هنا بإسقاط الألف من أحق ، وبإسقاط الواو قبل كلنا ، وتعقبه النووي ، بأن الذي عند المحدثين بإثباتهما كذا قال ، وهو في سنن النسائي بحذفهما أيضا .

371 - ( 42 ) - حديث : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ، ثم ترك ، فأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا } الدارقطني من حديث عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس بهذا ، ومن طريق عبد الرزاق وأبي نعيم ، عن أبي جعفر مختصرا ، ورواه أحمد عن عبد الرزاق ، ورواه البيهقي من حديث عبيد الله بن موسى ، وأبي نعيم ، وصححه الحاكم في كتاب القنوت ، وأول الحديث في الصحيحين من طريق عاصم الأحول عن أنس ، وأما باقيه فلا ، ورواية عبد الرزاق أصح من رواية عبيد الله بن موسى فقد بين إسحاق بن راهويه في مسنده سبب ذلك ، ولفظه عن الربيع بن أنس قال : قال رجل لأنس بن مالك : أقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو على حي من أحياء العرب ؟ قال فزجره أنس ، وقال : { ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا }. وأبو جعفر الرازي ، قال عبد الله بن أحمد عن أبيه : ليس بالقوي ، وقال ابن أبي مريم [ ص: 443 ] عن ابن معين : ثقة ولكنه يخطئ . وقال الدوري : ثقة ، ولكنه يغلط فيما يروي عن مغيرة . وحكى الساجي أنه قال : صدوق ليس بمتقن . وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه : هو نحو موسى بن عبيدة يخلط فيما يروي عن مغيرة ونحوه . وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن علي بن المديني : ثقة .

قلت : محمد بن عثمان ضعيف ، فرواية عبد الله بن علي عن أبيه أولى وقال أبو زرعة : يهم كثيرا ، وقال : عمرو بن علي : صدوق سيئ الحفظ ، ووثقه غير واحد ، وقد وجدنا لحديثه شاهدا رواه الحسن بن سفيان عن جعفر بن مهران عن عبد الوارث عن عمرو عن الحسن عن أنس قال : { صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يزل يقنت في صلاة الغداة حتى فارقته } ، وخلف أبي بكر كذلك ، وخلف عمر كذلك .

وغلط بعضهم فصيره عن عبد الوارث عن عوف فصار ظاهر الحديث الصحة وليس كذلك ، بل هو من رواية عمرو وهو ابن عبيد رأس القدرية ، ولا يقوم بحديثه حجة ، ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان ، { قلنا لأنس : إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يقنت في الفجر فقال : كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين }. وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب .

وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت ; إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم } ، فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم بمثل هذا حجة ، وسيأتي ذكر من تكلف الجمع بين هذه الأحاديث والله الموفق .

( تنبيه ) عزا هذا الحديث بعض الأئمة إلى مسلم فوهم ، وعزاه النووي إلى المستدرك للحاكم وليس هو فيه ، وإنما أورده وصححه في جزء له مفرد في القنوت ونقل البيهقي تصحيحه عن الحاكم ، فظن الشيخ أنه في المستدرك .

قوله : وروى القنوت في الصبح عن الخلفاء الأربعة ، البيهقي من طريق العوام بن حمزة قال : سألت أبا عثمان عن القنوت في الصبح . فقال : بعد الركوع ، قلت : عن من ؟ فقال : عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومن طريق قتادة عن الحسن عن أبي رافع : أن عمر كان يقنت في الصبح . ومن طريق حماد ، [ ص: 444 ] عن إبراهيم عن الأسود قال : صليت خلف عمر في الحضر والسفر فما كان يقنت إلا في صلاة الفجر .

وروى أيضا بسند صحيح عن عبد الله بن معقل بن مقرن ، قال : قنت علي في الفجر ، ورواه الشافعي أيضا ويعارض الأول ما روى الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث أبي مالك الأشجعي ، عن أبيه ، قال : { صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي فلم يقنت أحد منهم ، وهو بدعة }. إسناده حسن .

قوله : وأما ما عدا الصبح من الفرائض ، فإن نزل بالمسلمين نازلة من وباء أو قحط فيقنت فيها أيضا في الاعتدال عند ركوع الأخيرة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في حديث بئر معونة على ما سبق ، وإن لم ينزل نازلة فالأصح لا يقنت { لأنه صلى الله عليه وسلم ترك القنوت فيها } ، أما القنوت في الصلوات فسيأتي بعد ، وأما تركه فرواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر . . . }فذكر الحديث . وفيه : ثم رأيته ترك الدعاء عليهم .

( فائدة ) ورد ما يدل على أن القنوت يختص بالنوازل من حديث أنس أخرجه ابن خزيمة في صحيحه كما تقدم ، ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان بلفظ : { كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد }. وأصله في [ ص: 445 ] البخاري من الوجه الذي أخرجه منه ابن حبان بلفظ : { كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع }.

حديث ابن عباس : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة } أحمد وأبو داود والحاكم من حديث هلال بن خباب عن عكرمة عنه ، قال : { قنت رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا في الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، وصلاة الصبح في دبر كل صلاة إذا قال : سمع الله لمن حمده من الركعة الأخيرة ، يدعو على أحياء من سليم وعلى رعل وذكوان ، وعصية ، ويؤمن من خلفه }.

حديث أبي هريرة : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قنت بعد رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة }متفق عليه من حديثه .

حديث أنس مثل ذلك ، متفق عليه بلفظ : { قنت شهرا بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب ثم تركه }. وللبخاري مثله عن عمر ، ولمسلم عن خفاف بن إيماء : وهذا ظاهره يعارض حديث الربيع بن أنس عنه ، وجمع بينهما من أثبت القنوت بأن المراد ترك الدعاء على الكفار لا أصل القنوت .

وروى البيهقي مثل هذا الجمع عن عبد الرحمن بن مهدي بسند صحيح .

( فائدة ) روى البخاري من طريق عاصم الأحول ، عن أنس : أن القنوت قبل الركوع ، وقال البيهقي : رواة القنوت بعد الرفع أكثر وأحفظ وعليه درج الخلفاء [ ص: 446 ] الراشدون .

وروى الحاكم أبو أحمد في الكنى ، عن الحسن البصري قال : صليت خلف ثمانية وعشرين بدريا كلهم يقنت في الصبح بعد الركوع وإسناده ضعيف ، وقال الأثرم قلت : لأحمد يقول أحد في حديث أنس أنه قنت قبل الركوع غير عاصم الأحول ؟ قال : لا يقوله غيره وخالفوه كلهم هشام عن قتادة والتيمي عن أبي مجلز وأيوب عن ابن سيرين ، وغير واحد عن حنظلة ، كلهم عن أنس ، وكذا روى أبو هريرة وخفاف بن إيماء وغير واحد وروى ابن ماجه من طريق سهل بن يوسف عن حميد ، عن أنس ، أنه سئل عن القنوت في صلاة الصبح ، أقبل الركوع أم بعده ؟ فقال : كلاهما قد كنا نفعل قبل وبعد ، وصححه أبو موسى المديني .

التالي السابق


الخدمات العلمية