الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق إلى جوفه ) المعروف أو دماغه ( فالمذهب أنه إن بالغ ) في ذلك ( أفطر ) لأن الصائم منهي عنها كما مر في الوضوء ( وإلا فلا ) يفطر لأنه تولد من مأمور به بغير اختياره بخلاف حالة المبالغة لما مر ، ( وبخلاف سبق مائهما غير المشروعين كأن جعل الماء في فمه أو أنفه لا لغرض ) وبخلاف

                                                                                                                            [ ص: 171 ] سبق ماء غسل التبرد والمرة الرابعة من المضمضة أو الاستنشاق لأنه غير مأمور بذلك بل منهي عنه في الرابعة ، وخرج بما قررناه ( سبق ماء الغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو من غسل مسنون ) فلا يفطر به كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ومنه يؤخذ أنه لو غسل أذنيه في الجنابة ونحوها فسبق الماء إلى جوفه منهما لا يفطر ولا نظر إلى إمكان إمالة الرأس بحيث لا يدخل شيء لعسره ، وينبغي كما قاله الأذرعي أنه لو عرف عادته أنه يصل الماء منه إلى جوفه أو دماغه بالانغماس ولا يمكنه التحرز عنه أنه يحرم الانغماس ويفطر قطعا .

                                                                                                                            نعم محله إذا تمكن من الغسل لا على تلك الحالة وإلا فلا يفطر فيما يظهر ، ( وكذا لا يفطر بسبقه من غسل نجاسة بفيه وإن بالغ فيها ، وقيل يفطر ) مطلقا لأن وصول الماء إلى الجوف بفعله ، وقيل لا يفطر مطلقا لأن وصوله بغير اختياره .

                                                                                                                            وأصل الخلاف نصان مطلقان بالإفطار وعدمه ، فمنهم من حمل الأول على حال المبالغة والثاني على حال عدمها ، والأصح حكاية قولين فقيل هما في الحالين ، وقيل هما فيما إذا بالغ ، فإن لم يبالغ لم يفطر قطعا ، والأصح كما في المحرر أنهما فيما إذا لم يبالغ فإن بالغ أفطر قطعا ولو كان ناسيا للصوم لم يفطر بحال ( ولو ) ( بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه ) من غير قصد ( لم يفطر إن عجز عن تمييزه ومجه ) لعذره بخلاف ما إذا لم يعجز ووصل إلى جوفه فيفطر لتقصيره ( وهل يجب عليه الخلال ليلا إذا علم بقايا بين أسنانه يجري بها ريقه نهارا ولا يمكنه التمييز والمج ) الأوجه كما هو ظاهر كلامهم عدم الوجوب ، ويوجه بأنه إنما يخاطب بوجوب التمييز والمج عند القدرة عليهما في حال الصوم فلا يلزمه تقديم ذلك عليه لكن ينبغي أن يتأكد له ذلك ليلا ، وأشار الأذرعي إلى أن محل إيجابه عند من يقول بالفطر مما

                                                                                                                            [ ص: 172 ] تعذر تمييزه ومجه ، وقد أفتى الوالد رحمه الله تعالى بأن مراده بالعجز عن التمييز والمج في حالة صيرورته وإن قدر على إخراجه من بين أسنانه فلم يفعل ( ولو أوجر مكرها لم يفطر ) لانتفاء الفعل والقصد منه والإيجار صب الماء في حلقه ، وحكم سائر المفطرات حكم الإيجار ، ولو أغمي عليه فأوجر معالجة لم يفطر في الأصح ، ولو صب في حلقه وهو نائم فكما لو أوجر قاله في الكافي ( فإن ) ( أكره حتى أكل ) أو شرب ( أفطر في الأظهر ) لأنه حصل من فعله لدفع الضرر عن نفسه فأفطر به كما لو أكل لدفع المرض أو الجوع ( قلت : الأظهر لا يفطر ، والله أعلم ) كما في الحنث ولأن أكله ليس منهيا عنه فأشبه الناسي ، بل أولى لأنه مخاطب بالأكل ونحوه لدرء الضرر كما مر وفارق الأكل لدفع الجوع بأن الإكراه قادح في اختياره ، بخلاف الجوع لا يقدح فيه بل يزيده تأثيرا ، وظاهرا إطلاقهم كما قاله الأذرعي أنه لا فرق بين أن يحرم عليه الفطر حالة الاختيار أو يجب عليه لا للإكراه بل لخشية التلف من جوع أو عطش أو يتعين عليه إنقاذ نفسه أو غيره من غرق أو نحوه ولا يمكنه ذلك إلا بالفطر فأكره عليه لذلك ، ويحتمل غيره لأنه إكراه بحق وهو آثم بالامتناع لغير الإكراه بل لترك الواجب ، وما ذكره في الهادي للكندري المصري من أنه ( لو فاجأه القطاع فابتلع الذهب خوفا عليه ) فهو كالمكره على فعل نفسه غير صحيح

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بخلاف حالة المبالغة ) قال حتى : ويظهر ضبطها بأن يملأ فمه أو أنفه ماء بحيث يسبق غالبا إلى الجوف وكتب عليه سم : قد يقال ظاهر كلامهم ضرر السبق بالمبالغة المعروفة وإن لم يملأ فمه أو أنفه كما ذكر ( قوله : لا لغرض ) الظاهر أن المراد أن لا يكون مأمورا به بدليل ما ذكره في سبق ماء التبرد من الضرر لمجرد كونه غير مأمور به

                                                                                                                            [ ص: 171 ] قوله : والمرة الرابعة ) أي يقينا بخلاف ما لو شك هل أتى باثنتين أو ثلاث فزاد أخرى فالمتجه أنه لا يضر دخول مائها سم على بهجة ( قوله : لأنه غير مأمور بذلك ) قضيته تخصيص الغرض المسوغ لوضعه في فمه بحيث يمنع منع الإفطار بالمأمور به ، وعليه فليتأمل معنى الغرض فيما نقله عن الأنوار فيما مر من قوله وفيه لو وضع شيئا في فيه عمدا : أي لغرض بقرينة ما يأتي ، ثم رأيت سم على حج ضوره بما لو وضعه لنحو الحفظ وكان مما جرت العادة بوضعه في الفم ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي أن من النحو ما لو وضع الخبز في فمه لمضغه لنحو الطفل حيث احتاج إليه أو وضع شيئا في فمه لمداواة أسنانه به حيث لم يتحلل منه شيء أو لدفع غثيان خيف منه القيء .

                                                                                                                            [ فرع ] أكل أو شرب ليلا كثيرا وعلم من عادته أنه إذا أصبح حصل له جشاء يخرج بسببه ما في جوفه هل يمتنع عليه كثرة ما ذكر أو لا ، وهل إذا خالف وخرج منه يفطر أم لا فيه نظر ، والجواب عنه بأنه لا يمنع من كثرة ذلك ليلا ، وإذا أصبح وحصل له الجشاء المذكور يلفظه ويغسل فمه ولا يفطر وإن تكرر منه ذلك مرارا كمن ذرعه القيء ، ويؤيده ما ذكره الشارح في قوله : وهل يجب عليه الخلال ليلا إلخ ( قوله : وينبغي كما قاله الأذرعي أنه لو عرف من عادته إلخ ) يؤخذ منه أن المدار على غلبة الظن ، فحيث غلب على ظنه سبق الماء بالانغماس أفطر بوصول الماء إلى جوفه وإلا فلا ، وقضية قوله السابق وبخلاف سبق ماء غسل التبرد إلخ خلافه لأن الانغماس غير مأمور به ، ويصرح به قول حج ، وكذا دخوله جوف منغمس من نحو فمه أو أنفه لكراهة الغمس فيه كالمبالغة ومحله إن لم يعتد أنه يسبقه وإلا أثم وأفطر قطعا ( قوله : عدم الوجوب ) أي لكنه يندب خروجا

                                                                                                                            [ ص: 172 ] من خلاف من أوجبه ا هـ حج ( قوله في حالة صيرورته ) أي جريانه ا هـ سم على حج ( قوله : فأوجر معالجة ) أي ليعالج بما يصل إلى جوفه من الدواء ( قوله : لدفع الضرر عن نفسه ) هو ظاهر إن أكره على أكل معين ، وإن أكره على أكل عينين كأن قيل له إن لم تأكل من هذا قتلتك ، أو إن لم تأكل من هذا قتلتك وعلم أنه إن امتنع من الأكل قتله فأكل من أحدهما فهل يفطر قياسا على ما لو قيل له طلق إحدى زوجتيك فطلق إحداهما حيث وقع عليه الطلاق لأن فيه اختيارا لما فعله أو لا يفطرا بذلك ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول للعلة المذكورة وليس مثل ذلك ما لو أكره على أكلهما معا فابتدأ بأحدهما فلا يفطر به لأنه ليس له طريق إلا ذلك ( قوله قلت الأظهر لا يفطر ) أي وإن أكل ذلك بشهوة فيما يظهر ( قوله : لدرء الضرر ) هذا التعليل مبني على أنه مكلف ، وجرى عليه ابن السبكي آخرا في غير جمع الجوامع ( قوله : وفارق الأكل لدفع الجوع ) أي حيث يفطر به ، وقوله قادح في اختياره : أي فإن المكره يفعل للإكراه ودفع العقوبة فلا اختيار له في الفعل بخلاف الجائع فإن جوعه يحمله على اختيار الأكل ( قوله : وظاهر إطلاقهم إلخ ) معتمد ( قوله : غير صحيح ) أي فيفطر ببلعه الذهب



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : المعروف ) أي البطن وما هو طريق إليه ، وإنما قيد بذلك لأن ماء المضمضة لا يصل إلا إلى ذلك وليتأتى عطف الدماغ عليه [ ص: 171 ] قوله والمرة الرابعة ) هي داخلة في قوله غير المشروعين ( قوله : وأشار الأذرعي إلى أن محل إيجابه عند من يقول بالفطر ) لفظ عند في كلامه خبر إن وقوله مما متعلق بالفطر : أي فالقائلون بعدم الفطر بما ذكر متفقون على أنه لا يجب التخليل ، والقول بوجوبه مبني على القول بالفطر مما تعذر تمييزه ومجه وكان على الشارح أن يمهد لهذا ما يوضحه




                                                                                                                            الخدمات العلمية