الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        28210 - وأما اختلاف الفقهاء في هذا الباب : 28211 - ففي " الموطأ " : قال مالك ، فيمن اشترى جارية على شرط ألا يبيعها ولا يهبها أو ما أشبه ذلك من الشروط ; فإنه لا ينبغي للمشتري أن يطأها ، وذلك أنه لا يجوز له أن يبيعها ولا أن يهبها ، فإذا كان لا يملك ذلك منها ، فلم يملكها ملكا تاما ، لأنه قد استثني عليه فيها ما ملكه بيد غيره ، فإذا دخل هذا الشرط ، لم يصلح ، وكان بيعا مكروها .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        28212 - قال أبو عمر : أول كلام مالك في قوله : لا ينبغي للمشتري أن يطأها يدل على جواز البيع ، وكراهته الوطء وقوله يدل على أنه لا يجوز هذا البيع ، وهو مذهبه ، ومذهب أصحابه - رحمه الله - .

                                                                                                                        28213 - وزاد ابن وهب في روايته في " الموطأ " عن مالك ، قال : وإن اشتراها بشرط ، فوطئها ، فحملت ، فللبائع قيمتها يوم وطئها ، وتحل لسيدها [ ص: 70 ] فيما يستقبل .

                                                                                                                        28214 - وقال ابن وهب في " موطئه " : وسئل مالك عن الرجل يبيع الجارية على ألا تخرج بها من البلد ، فقال : لا خير في ذلك ثم قال : أرأيت إن مات الرجل ، أو كان عليه دين فكيف يصنع بها ؟ .

                                                                                                                        28215 - وذكر ابن القاسم ، عن مالك فيمن اشترى عبدا على ألا يبيع ، ولا يهب ولا يتصدق ، فهو بيع فاسد ، فإن مات فعليه قيمته ، وإن اشترى جارية على أن يتخذها أم ولد ، فالبيع فاسد ، فإن حملت منه ، فعليه قيمتها يوم قبضها ، وكذلك إن أعتقها .

                                                                                                                        28216 - وقال ابن وهب ، عن مالك في الرجل يبيع عبده على أن يخرج به من البلد الذي هو به ، فقال : لا بأس بذلك ، فقد يكون العبد فاسدا خبيثا ، فيشترط بائعه أن يخرج به إلى بلد آخر لذلك .

                                                                                                                        28217 - وقال ابن وهب أيضا ، عن مالك فيمن ابتاع جارية على أنه لا يبيعها ، ولا يهبها ، فباعها المشتري ، فإنه ينقض البيع ، وترد إلى صاحبها إلا أن يرضى أن يسلمها إليه ، ولا شرط فيها .

                                                                                                                        28218 - وإن كانت قد فاتت ، فلم توجد أعطى البائع فضل ما وضع له من الشرط .

                                                                                                                        [ ص: 71 ] 28219 - وروى أشهب ، عن مالك أنه شرط سئل عن بيع العبد على أن يدبر ، أو يعتق إلى أجل سنة ، أو نحوها ؟ قال : لا أرى ذلك جائزا ، وأرى أن يفسخ البيع ، وليس هذا بحسن .

                                                                                                                        28220 - وقال أبو حنيفة ، وأبو يوسف ، ومحمد : إذا اشترى عبدا على ألا يبيعه ولا يهب ، فالبيع فاسد ، فإن قبضه ، فأعتقه ، أو تصدق به ، أو تصرف فيه بسائر وجوه التصرف جاز عتقه ، وعليه القيمة .

                                                                                                                        28221 - وقال الشافعي : إذا ابتاع الرجل العبد على ألا يبيعه ، أو على أن يبيعه من فلان ، أو على ألا يستخدمه ، أو على أن لا يعتقه ، أو على أن يخارجه ، فالبيع فاسد ، ولا يجوز الشرط في هذا إلا في موضع واحد ، وهو العتق اتباعا للسنة ، ولفراق العتق ما سواه : فنقول : إن اشتراه منه على أن يعتقه ، فأعتقه ، فالبيع جائز .

                                                                                                                        28222 - حكاه الربيع ، والمزني عن الشافعي .

                                                                                                                        28223 - وقال المزني ، عن الشافعي : إنه لا يجوز تصرف المشتري في البيع الفاسد بحال .

                                                                                                                        28224 - وروى أبو ثور ، عن الشافعي أنه كان يقول في هذه المسألة كلها : البيع جائز ، والشرط فاسد .

                                                                                                                        [ ص: 72 ] 28225 - قال أبو عمر : قول أبي حنيفة وأصحابه في هذا الباب كقول الشافعي في رواية الربيع ، والمزني ، إلا أن أبا حنيفة ، ومحمدا قالا : يستحسن فيمن اشترط العتق على المشتري ، فأعتق أن يجيز العتق ، ويجعل عليه الثمن ، وإن مات قبل أن يعتقه كانت عليه القيمة .

                                                                                                                        28226 - وقال أبو يوسف : العتق جائز ، وعليه القيمة .

                                                                                                                        28227 - وانفرد الشافعي بقوله فيمن اشترى عبدا ، أو جارية شراء فاسدا ، فأعتقه أنه لا يجوز عتق المبتاع للعبد إذا ابتاعه بيعا فاسدا ، وقبضه ; لأنه لم يملكه بالبيع الفاسد ، ولا يجوز له التصرف فيه .

                                                                                                                        28228 - وقال أبو ثور : كل شرط اشترط البائع على المبتاع مما كان البائع يملكه ، فهو جائز ، مثل ركوب الدابة ، وسكنى الدار ، وما كان من شرط على المشتري بعد ملكه مما لم يكن في ملك البائع مثل أن يعتق العبد ، ويكون ولاؤه للبائع ، وأن لا يبيع ولا يهب ، فهذا شرط لا يجوز ، والبيع فيه جائز ، والشرط باطل .

                                                                                                                        28229 - وقول ابن أبي ليلى في هذا الباب كله مثل قول أبي ثور على حديث عائشة في قصة بريرة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز البيع ، وأبطل الشرط .

                                                                                                                        [ ص: 73 ] 28230 - وحجة من رأى البيع في ذلك فاسدا أن البائع لم تطب نفسه على البيع ، إلا بأن يلتزم المشتري شرطه ، وعلى ذلك ملكه ما كان يملكه ، ولم يرض بإخراج السلعة من يده إلا بذلك ، فإذا لم يسلم له شرطه لم يملك عليه ما ابتاعه بطيب نفس منه ، فوجب فسخ البيع بينهما ; لفساد الشرط الذي يمنع منه المبتاع من التصرف فيما ابتاعه تصرف ذي الملك في ملكه .

                                                                                                                        28231 - وحجة من روى الشرط ، والبيع جائزين من حديث جابر ، قال : ابتاع مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا ، وشرط لي ظهره إلى المدينة .

                                                                                                                        28232 - وهذا حديث اختلف في ألفاظه اختلافا لا تقوم معه حجة ; لأن منها ألفاظا تدل على أن الخطاب الذي جرى بينجابر ، وبين النبي ، ليس فيه بيان أن الشرط كان في نص العقد ، ومنه ما يدل على أنه لم يكن بيعا ، ومنها ما يدل على أن البيع وقع على ذلك الشرط ، ومع هذا الاختلاف لا تقوم معه حجة .

                                                                                                                        [ ص: 74 ] 28233 - وأما اختلاف العلماء في هذا المعنى : 28234 - فقال مالك : لا أرى بأسا أن يشتري الرجل الدابة ، ويشترط عليه البائع ركوبها يوما أو يومين ، فإن اشترط عليه ركوبها شهرا ، فلا خير فيه .

                                                                                                                        28235 - قال : ولا بأس أن يشتري الرجل الدابة ، ويشترط ظهرها يوما أو يومين يركبها ، يسافر عليها ، فإن رضي أمسك ، وإن سخط ردها .

                                                                                                                        28236 - قال : ولا بأس أن يشترط البائع سكنى الدار مدة معلومة السنة والأشهر ، ما لم تتباعد ، فإن شرط سكناها حياته ، فلا بأس فيه .

                                                                                                                        28237 - وقال الأوزاعي : لا بأس أن يبيع الرجل بعيرا ويشترط ظهره إلى المدينة ، أو إلى وقت يسميه .

                                                                                                                        28238 - وقال الليث بن سعد : لا بأس أن يشترط سكنى الدار سنة ، إلا أنها إن احترقت كانت من المشتري ، ولا يجوز أن يشترط ظهر الدابة إلى موضع لا قريب ، ولا بعيد ، ولا يصلح أن يبيع الدابة ، ويستثني ظهرها ، وكره أن يستثنى [ ص: 75 ] سكنى الدار عشرين سنة .

                                                                                                                        28239 - وقال أبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهما : إذا اشترى دارا على أن يسكنها البائع شهرا ، أو شرط خدمة العبد ، أو ركوب الدابة وقتا مؤقتا أو غير مؤقت ، فالبيع فاسد .

                                                                                                                        28240 - وأما أحمد بن حنبل ، فمذهبه الذي لا اختلاف عنه أن فيه أن البيع إذا كان فيه شرط واحد ، وهو بيع جائز ، وإذا كان فيه شرطان بطل البيع على ظاهر حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل شرطان في بيع ، ولا بيع وسلف ، ولا تبع ما ليس عندك ) .

                                                                                                                        28241 - قال أحمد : ومن شرطين في بيع أن يقول : أبيعك بكذا على أن آخذ منك الدينار بكذا ، وكذلك إن باعه بدراهم على أن يأخذ ذهبا ، أو يبيع منه بذهب على أن يأخذ منه دراهم .

                                                                                                                        28242 - وحجته في إجازة شرط واحد في البيع حديث جابر في [ ص: 76 ] بيعه بعير له من النبي صلى الله عليه وسلم على أن له ظهره إلى المدينة .

                                                                                                                        28243 - وحدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني أحمد بن زهير ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثني إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثني أيوب ، عن عمرو بن شعيب ، قال : حدثني أبي ، عن جدي عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل بيع وسلف ، ولا شرطان في بيع ولا تبع ما ليس عندك ) .

                                                                                                                        28244 - وشرطان في بيع أن يقول : أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا ، أو إلى شهرين بكذا .




                                                                                                                        الخدمات العلمية