الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها : قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني الشافعي ، قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق - وهما فاضلان - بعد التسعين وستمائة ، فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح ، وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ، ثم تنقلت بهما الأحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشافعية بدمشق ; انتزع له من يد القاضي بدر الدين بن جماعة ، ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك ، وأعيد ابن جماعة إلى القضاء ، وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة ، فوليها جلال الدين المذكور ، ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ، ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين ، بعد [ ص: 412 ] أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه ، فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تغضب عليه السلطان الملك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ، ونفاه إلى الشام ، واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله ، كما تقدم ، فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء ، فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء ، الذي هو خطيب دمشق ، ثم كانت وفاته في أوائل هذه السنة ، ودفن بالصوفية ، وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ، ويفتي كثيرا ، وله مصنفات في المعاني ، ومصنف مشهور اختصر فيه " المفتاح " للسكاكي ، وكان مجموع الفضائل ، مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الأحد : الشيخ الإمام العالم الحافظ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي ، مؤرخ الشام الشافعي ، ولد سنة وفاة الشيخ أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة ، وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين ، من حين وفاته ومولد البرزالي ، إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم ، فغسل وكفن ، ولم تستر رأسه ، وحمله الناس على نعشه وهم يلبون حوله ، وكان يوما [ ص: 413 ] مشهودا ، سمع الكثير من أزيد من ألف شيخ ، وخرج له المحدث شمس الدين بن سعد مشيخة لم يكملها ، وقرأ شيئا كثيرا ، وأسمع شيئا كثيرا ، وكان له خط حسن ، وخلق حسن ، وهو مشكور عند القضاة ومشايخ أهل العلم ، سمعت العلامة ابن تيمية يقول : نقل البرزالي نقر في حجر . وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه ، وكان له أولاد ماتوا قبله ، وكتبت ابنته فاطمة " البخاري " في ثلاثة عشر مجلدا ، فقابله لها ، وكان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة ، حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس ، وكان شيخ حديث بالنورية - وفيها وقف كتبه - وبدار الحديث النفيسية ، وبدار الحديث القوصية ، وكان قارئ الحديث بدار الحديث الأشرفية على المزي ، ومن قبله كابن الشريشي ، وكان يعيد في الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث ، وكان متواضعا محببا إلى الناس ، متوددا إليهم . توفي عن أربع وسبعين سنة ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المؤرخ شمس الدين محمد بن إبراهيم الجزري ، جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ; كالمزي ، والذهبي ، والبرزالي ، يكتبون عنه ويعتمدون على نقله ، وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه ، وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد وأخوه مجد الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية