الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ أجل العلو القرب من الرسول بإسناد صحيح ] : ( فالأول ) من الأقسام مما هو علو مسافة علو مطلق ، وهو ما فيه ( قرب ) من حيث العدد ( من الرسول ) صلى الله عليه وسلم ، ثم تارة يكون بالنظر لسائر الأسانيد ، وتارة بالنسبة إلى سند آخر فأكثر يرد به ذلك الحديث بعينه ، عدده أكثر .

( و ) هذا القسم ( هو الأفضل ) الأجل من باقي أقسامه ، وأعلى من سائر العوالي ، ولكن محله ( إن صح الإسناد ) بالنقل ; لأن القرب مع ضعفه بسبب بعض رواته لا اعتداد به ، ولا التفات إليه ، خصوصا إن اشتد الضعف حيث كان من طريق بعض الكذابين الذين ادعوا السماع من الصحابة ; كأبي هدبة إبراهيم بن هدبة ، وخراش ، ودينار ، وعثمان بن الخطاب المغربي أبي الدنيا الأشج ، وكثير بن سليم ، وموسى الطويل ، ونافع أبي هرمز ، ونجدة الحروري ، ويسر مولى أنس ، ويعلى بن الأشدق ، ويغنم بن سالم ، وأبي خالد السقاء .

أو ادعى فيهم الصحبة ; كجبير بن الحارث ، والربيع بن محمود المارديني ، ورتن وسرباتك الهنديين ، ومعمر ، ونسطور أو ابن نسطور الرومي ، ويسر بن عبيد الله الآتي التنبيه عليهم في الصحابة .

[ ص: 339 ] وقد أنشد الحافظ السلفي فيما رويناه عنه قوله :


حديث ابن نسطور ويسر ويغنم وقول أشج الغرب ثم خراش ونسخة دينار وأخبار تربه      أبي هدبة البصري شبه فراش

.

وعززهما محمد بن جابر الوادي آشي بثالث :


رتن ثامن والمارديني تاسع     ربيع بن محمود وذلك فاش

ولو قال : كذا رتن ، لكان أصلح .

وقد نظم غالب الصنفين الحافظ ابن ناصر الدين فقال :


إذا جاء مرفوعا حديث لستة     فعد ولا تقبل فذاك تخرص رتن وابن نسطور ويسر معمر
وسرباتك ثم الربيع المقلص ولا تقبلوا عن صاحب قول نجدة     أبي خالد السقا ويغنم فاحرصوا ويسر ودينار خراش أشج مع
فتى بكر دار ابن لهدبة يرقص

وتمييز صحيح العالي من سقيمه يعسر على المبتدئ ، ويسهل على العارف ، ولأجل ذلك قال الذهبي في ميزانه : متى رأيت المحدث يفرح بعوالي أبي هدبة - وسمى غيره ممن سميناهم وأضرابهم - فاعلم أنه عامي بعد .

وسبقه صاحب ( شرف أصحاب الحديث ) فقال تبعا للحاكم والخليلي : ليس العالي من الإسناد ما [ ص: 340 ] يتوهمه عوام الناس ، يعدون الأسانيد فما وجدوا منها أقرب عددا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يتوهمونه أعلى ، كنسخة الخضر بن أبان عن أبان عن أبي هدبة عن أنس ، ونسخة خراش ، وسمى بعض ما ذكر ، وهذه لا يحتج بشيء منها ، ولا يوجد في مسانيد العلماء منها حديث واحد .

قالوا : وأقرب ما يصح من الأسانيد بعدد الرجال نسخة يزيد بن هارون عن كل من سليمان التيمي وحميد ، كلاهما عن أنس . انتهى .

ومن العجيب أن شيخ شيوخنا السراج بن الملقن مع جلالته عقد مجلس الإملاء ، فأملى - كما قال شيخنا - المسلسل بالأولية ، ثم عدل إلى أحاديث خراش وأضرابه من الكذابين فرحا بعلوها .

قال شيخنا : ( وهذا مما يعيبه أهل النقد ، ويرون أن النزول حينئذ أولى ; لأنه عندهم كالعدم ) . انتهى .

وأعلى ما يقع لنا من بين القدماء من شيوخنا وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالإسناد الصحيح عشرة أنفس ، وذلك من الغيلانيات ، وجزء الأنصاري ، وجزء ابن عرفة ، وجزء الغطريف ، وغيرها ، بل وتقع لي العشاريات بالسند المتماسك من ( المعجم [ ص: 341 ] الصغير ) للطبراني وغيره ، ولا يكون الآن في الدنيا أقل من هذا العدد .

وكذا وقعت العشاريات لشيخي بالأسانيد المتماسكة ، ولشيوخه بالأسانيد الصحيحة ونحوها ، وأملى من ذلك جملا ، وخرج منها من مرويات شيخه التنوخي مائة وأربعين حديثا ، ومن مرويات شيخه المصنف ستين كمل بها الأربعين التي كان الشيخ خرجها لنفسه .

وأفردت التساعيات من حديث جماعة من شيوخ شيوخنا ; كالقاضي عز الدين بن جماعة ، وأبي عبد الله البياني . وكذا لأبي علي الحسن بن علي اللخمي الصيرفي وأبي حيان التساعيات .

وأفردت الثمانيات من حديث من بيننا وبينه واسطتان ; كالنجيب الحراني ومؤنسة خاتون ، وكذا للرشيد العطار والضياء المقدسي .

والسباعيات لمن بيننا وبينه ثلاثة وسائط ; كأبي جعفر الصيدلاني .

والسداسيات لمن بيننا وبينه خمسة ; كأبي عبد الله الرازي وزاهر بن [ ص: 342 ] طاهر .

والخماسيات لمن بيننا وبينه خمسة أيضا ; كأبي الحسين بن النقور وزاهر أيضا .

وأفردت من ( سنن الدارقطني ) والرباعيات لمن بيننا وبينه سبعة ; كأبي بكر الشافعي ، وهي أعلى ما في ( صحيح مسلم ) و ( أبي عوانة ) و ( السنن ) للنسائي .

وأما الثلاثيات ، ففي مسند إمامنا الشافعي وغيره من حديثه منها جملة ، وكذا الكثير في ( مسند الإمام أحمد ) ، وما ينيف عن عشرين حديثا في ( صحيح البخاري ) ، وليس عند مسلم منها ما هو على شرطه ، وحديث واحد في كل من أبي داود والترمذي ، وخمسة أحاديث في ابن ماجه ، لكن من طريق بعض المتهمين . وفي معاجم الطبراني منها اليسير .

والثنائيات في ( موطأ الإمام مالك ) ، وللوحدان في حديث الإمام أبي حنيفة ، لكن بسند غير مقبول ; إذ المعتمد أنه لا رواية له عن أحد من الصحابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية