الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      القول في تأويل قوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      [36 - 38] في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب

                                                                                                                                                                                                                                      في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه أي : أمر أن تعظم عن اللغو ، أو ترفع بالبناء قدرا . ويتلى فيه اسمه ، ولا يعبد فيها غيره ، لأنه شيدت على اسمه جل شأنه . والظرف صفة (لمشكاة ) أو (لمصباح ) أو (لزجاجة ) أو متعلق بـ(توقد ) أو بمحذوف . أي : سبحوه في بيوت . أو بـ(يسبح ) . ولفظ (فيها ) تكرار للتوكيد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 4530 ] قال أبو السعود : لما ذكر شأن القرآن الكريم في بيانه للشرائع والأحكام ، ومبادئها وغاياتها المترتبة عليها من الثواب والعقاب ، وأشير إلى كونه في غاية ما يكون من التوضيح ، حيث مثل بنور المشكاة - عقب ذلك بذكر الفريقين وتصوير بعض أعمالهم المعربة عن كيفية حالهم في الاعتداء وعدمه ، والمراد بالبيوت ، المساجد كلها : يسبح له فيها بالغدو يعني قبل طلوع الشمس : والآصال جمع أصيل وهو العشي قبل غروب الشمس : رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله أي : بالتسبيح والتحميد : وإقام الصلاة أي : إقامتها لمواقيتها من غير تأخير : وإيتاء الزكاة أي : المال الذي يتزكى مؤتيه من دنس الشح ورذيلة البخل ، وتطهر نفسه ويصفو سره : يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار أي : تضطرب وتتغير من الهول والفزع . كما في قوله تعالى : وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب اللام متعلقة بيسبح أو لا تلهيهم أو بمحذوف يدل عليه السوق . أي : يفعلون ما يفعلون مما ذكر ، ليجزيهم . وفي آخر الآية تقرير وتنبيه على كمال القدرة ، ونفاذ المشيئة ، وسعة الإحسان ، لأن بغير حساب كناية عن السعة . والمراد أنه لا يدخل تحت حساب الخلق وعدهم .

                                                                                                                                                                                                                                      تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                                      قال السيوطي في (" الإكليل " ) : في هذه الآية الأمر بتعظيم المساجد وتنزيهها عن اللغو والقاذورات . وفيها استحباب ذكر الله والصلاة في المساجد . وفي قوله : رجال إشارة إلى أن الأفضل للنساء الصلاة في قعر بيوتهن . كما صرح به الحديث ، إلا في نحو العيدين لحديث : « ليشهدن الخير ودعوة المسلمين » ، وقوله : لا تلهيهم الآية ، فيه أن التجارة [ ص: 4531 ] لا تنافي الصلاة . لأن مقصود الآية أنهم يتعاطونها ، ومع ذلك لا تلهيهم عن الصلاة وحضور الجماعة . أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه كان في السوق ، فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد . فقال ابن عمر : فيكم نزلت : رجال لا تلهيهم الآية . وأخرج عن الضحاك والحسن وسالم وعطاء ومطرف مثل ذلك . انتهى . وقوله تعالى :

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية