الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويكره أن ينتفل بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب ) لما روي أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك .

[ ص: 237 - 238 ] ( ولا بأس بأن يصلي في هذين الوقتين الفوائت ويسجد للتلاوة ويصلي على الجنازة ) لأن الكراهة كانت لحق الفرض ليصير الوقت كالمشغول به لا لمعنى في الوقت فلم تظهر في حق الفرائض ، وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة ، وظهرت في حق المنذور لأنه تعلق وجوبه بسبب من جهته ، وفي حق ركعتي الطواف ، وفي الذي شرع فيه ثم أفسده لأن الوجوب لغيره وهو ختم الطواف وصيانة المؤدى عن البطلان [ ص: 239 ] ( ويكره أن يتنفل بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر ) لأنه عليه الصلاة والسلام لم يزد عليهما مع حرصه على الصلاة ( ولا يتنفل بعد الغروب قبل الفرض ) لما فيه من تأخير المغرب ( ولا إذا خرج الإمام للخطبة يوم الجمعة إلى أن يفرغ ) من خطبته لما فيه من الاشتغال عن استماع الخطبة .

التالي السابق


( قوله نهى عن ذلك ) فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما : شهد عندي رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس ، وبعد العصر حتى تغرب } متفق عليه ، وما روي عن عائشة رضي الله عنها في الصحيحين { ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية : ركعتان قبل صلاة الصبح ، وركعتان بعد العصر } وفي لفظ لهما { ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين } [ ص: 237 ] وفي لفظ لمسلم عن طاوس عنها قالت : وهم عمر رضي الله عنه { إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها فتصلوا عند ذلك } وفي لفظ للبخاري { عن أم أيمن عن عائشة رضي الله عنها قالت : والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله تعالى ، وما لقي الله حتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصليهما ولا يصليهما في المسجد مخافة أن تثقل على أمته ، وكان يحب ما خفف عنهم } ، فالعذر عنه أن هاتين الركعتين من خصوصياته ، وذلك لأن أصلهما أنه عليه الصلاة والسلام فعلهما جبرا لما فاته من الركعتين بعد الظهر أو قبل العصر حين شغل عنهما ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملا أثبته فداوم عليهما وكان ينهى غيره عنهما ، أما الأول فلما في مسلم والبخاري والمغازي عن كريب مولى ابن عباس رضي الله عنهما { أن ابن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر ومسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد العصر وقل بلغنا أنك تصلينها وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما ، قال كريب : فدخلت على عائشة رضي الله عنها فأخبرتها ، فقالت : سل أم سلمة فرجعت إليهم فأخبرتهم ، فردوني إلى أم سلمة ، فقالت أم سلمة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما ثم رأيته يصليهما ، فقيل له في ذلك فقال : إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر وهما هاتان } . وأخرج مسلم { عن أبي سلمة أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد العصر فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها } يعني داوم عليها .

وأما الثاني فأخرج أبو داود من جهة ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان مولى عائشة رضي الله عنها أنها حدثته { بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر ركعتين وينهى عنهما ويواصل وينهى عن الوصال } .

واستفدنا من الحديث الأول تردد عائشة رضي الله عنها فيما جزمت به في ذلك الحديث من قولها وهم عمر إلخ ، فإن إحالتها على أم سلمة رضي الله عنها عند استعلام السائل الحكم يفيد ترددها أو التقوي بموافقتها ، ويؤيد ما ذكرنا أن عمر رضي الله عنه كان يضرب عليهما .

في موطأ مالك عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب المناكب في الصلاة بعد العصر ، وكان هذا بمحضر من الصحابة [ ص: 238 ] من غير نكير ، فكان إجماعا على أن المتقرر بعده عليه الصلاة والسلام عدم جوازهما ، ثم كان ذلك دأبه لا أنه وقع منه مرة فلم يطلع عليه بعضهم أو يجوز رجوعه كما يفيد قول أنس بن مالك حين سئل عن التطوع بعد العصر : كان عمر رضي الله عنه يضرب الأيدي عن صلاة بعد العصر الحديث رواه مسلم .

( قوله لأن الكراهة إلخ ) الله أعلم بما دل على هذا الاعتبار ، ثم النظر إليه يستلزم نقيض قولهم العبرة في المنصوص عليه لعين النص لا لمعنى النص ، لأنه يستلزم معارضة النص بالمعنى ، والنظر إلى النصوص يفيد منع القضاء تقديما للنهي العام على حديث التذكر .

نعم يمكن إخراج صلاة الجنازة وسجدة التلاوة بأنهما ليسا بصلاة مطلقة . ويكفي في إخراج القضاء من الفساد العلم بأن النهي ليس لمعنى في الوقت وذلك هو الموجب للفساد ، وأما من الكراهة ففيه ما سبق ( قوله وفيما وجب لعينه كسجدة التلاوة ) المراد بما وجب لعينه ما لم يتعلق وجوبه بعارض بعد أن كان نفلا كالمنذور ، وسواء كان مقصودا بنفسه أو لغيره كمخالفة الكفار وموافقة الأبرار في سجدة التلاوة وقضاء حق الميت في صلاة الجنازة .

وعن أبي يوسف : لا يكره المنذور ، ولا أثر لإيجاب العبد كما لا أثر لتلاوته في إثبات الكراهة في السجدة .

وقد يقال وجوب السجدة في التحقيق متعلق بالسماع لا بالاستماع ولا التلاوة ، وذلك ليس فعلا من المكلف بل وصف [ ص: 239 ] خلقي فيه ، بخلاف النذر والطواف والمشروع فيه ولولاه لكانت الصلاة نفلا ( قوله لأنه عليه الصلاة والسلام إلخ ) روى مسلم عن حفصة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين وفي أبي داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنه عنه عليه الصلاة والسلام " لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين " لفظ الترمذي . وفي التجنيس : تطوع آخر الليل فلما صلى ركعة طلع الفجر . الإتمام أفضل لأنه وقع التنفل بعد الفجر لا عن قصده . وفي المجتبى : تخفف القراءة في ركعتى الفجر . هذا .

ومما تكره الصلاة النافلة فيه بعد الغروب قبل الفرض وعند الإقامة يوم الجمعة وعند خطبة الجمعة والكسوف والعيد والاستسقاء وقبل صلاة العيد ، وذكر بعضهم : لا يتنفل بعد صلاتي الجمع بعرفات والمزدلفة ، ويتصل بهذا كراهة الكلام ، يكره الكلام بعد انشقاق الفجر إلى أن يصلي إلا بخير وبعد الصلاة لا بأس به وبالمشي في حاجته ، وقيل يكره إلى الشمس ، وقيل إلى ارتفاعها ، وبعد العشاء أباحه قوم وحظره قوم ، وكان عليه الصلاة والسلام يكره النوم قبلها والحديث بعدها ، والمراد بما ليس فيه خير ، وإنما يتحقق الخير في كلام هو عبادة فإن المباح لا خير فيه كما لا إثم فيه ، وسنعقد للركعتين قبل صلاة المغرب كلاما في باب النوافل إن شاء الله تعالى .




الخدمات العلمية