الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) شرط أيضا للاستثناء ( نطق به ) أي بالمستثنى ( إلا في يمين مظلوم خائف بنطقه ) قال ابن مفلح في الفروع : ويعتبر نطقه إلا من مظلوم خائف . نص على ذلك ولم يذكر في المستوعب " خائف " والأصحاب على الأول . قال في المغني والشرح : وروي عن أحمد : أنه إن كان مظلوما فاستثنى في نفسه رجوت أن يجوز إذا خاف على نفسه . فهذا في حق الخائف على نفسه ، لأن يمينه غير منعقدة ، أو لأنه بمنزلة المتأول . انتهى .

( لا تأخيره ) يعني أنه لا يشترط في الاستثناء تأخير المستثنى عن المستثنى منه [ ص: 398 ] في اللفظ . فيجوز تقديمه عند الكل . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم { إني والله - إن شاء الله - لا أحلف على يمين - } الحديث " متفق عليه ، وكقول الكميت :

وما لي إلا آل أحمد . شيعة ومالي إلا مذهب الحق مذهب

( ويصح استثناء النصف ) في أحد الوجهين لأصحابنا . قال في الإنصاف : وهو المذهب . قال ابن هبيرة : الصحة ظاهر المذهب ، وصححه في التصحيح ، وتصحيح المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته وجزم به في الإرشاد والوجيز والمنور ، ومنتخب الآدمي . وهو ظاهر كلام ابن عقيل في التذكرة في الإطلاق والإقرار ; فإنه ذكر فيهما : لا يصح استثناء الأكثر ، واقتصر عليه . والوجه الثاني : لا يصح ( لا الأكثر ) يعني أنه لا يصح استثناء أكثر من النصف من عدد مسمى ، كقوله : له علي عشرة إلا ستة ، عند الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه وأصحابه وأبي يوسف وابن الماجشون ، وأكثر النحاة .

وذكر ابن هبيرة : أنه قول أهل اللغة . ونقله أبو حامد الإسفراييني وأبو حيان في الارتشاف عن نحاة البصرة . ونقله ابن السمعاني وغيره عن الأشعري . وقيل : بلى . قال ابن مفلح : وعند أكثر الفقهاء والمتكلمين : يصح ويستثنى من القول بعدم صحة استثناء الأكثر ما أشير إليه بقوله ( إلا إذا كانت الكثرة من دليل خارج عن اللفظ ) نحو قوله سبحانه وتعالى { إلا من اتبعك من الغاوين } وقوله تعالى { إلا عبادك منهم المخلصين } وقوله تعالى { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } لأن هذا تخصيص بصفة ، فإنه يستثنى بالصفة مجهول من معلوم ومن مجهول ، ويستثنى الجميع أيضا . فلو قال : اقتل من في الدار إلا بني تميم ، أو إلا البيض ، فكانوا كلهم ` بني تميم أو بيضا لم يجز قتلهم ، بخلاف العدد . ثم الجنس ظاهر والعدد صريح ، فلهذا فرقت اللغة بينهما . وبهذا يجاب أيضا عما في الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي ذر { عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته } قال ابن عقيل في الواضح عن ذلك : لا خلاف فيه ، لكن اتفقوا على أنه لو أقر بهذه الدار إلا هذا البيت صح ، ولو [ ص: 399 ] كان أكثرها ، بخلاف إلا ثلثيها ، فإنه على الخلاف . ولهذا قال الشيخ في المسودة : لا خلاف في جوازه ، إذا كانت الكثرة من دليل خارج لا من اللفظ . قالوا : كالتخصيص ، وكاستثناء الأقل ، وجوابه واضح ، وعجب من ذكر الخلاف . ثم يحتج بالإجماع أن من أقر بعشرة إلا درهما يلزمه تسعة . ( وحيث بطل ) الاستثناء ( واستثنى منه ) أي من المستثنى ( رجع ) الاستثناء ( إلى ما قبله ) أي ما قبل المستثنى ، وهو المستثنى منه أولا . قال في تصحيح المحرر : جزم به في المغني . وقيل : يبطل الكل وقيل : يعتبر ما يئول إليه الاستثناءات . قال في تصحيح المحرر : اختاره القاضي .

فيتفرع على ذلك لو قال : له علي عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة . فعلى القول الأول : يلزمه سبعة ، لأن الاستثناء الأول لم يصح فيسقط ، فيبقى كأنه استثنى ثلاثة من عشرة ، وعلى الثاني : يلزمه عشرة ، لبطلان الاستثناءين ، وعلى الثالث : يلزمه ثلاثة ، فكأنه قال : له علي عشرة تلزمني ، إلا عشرة لا تلزمني ، إلا ثلاثة تلزمني

التالي السابق


الخدمات العلمية