الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ( 88 ) ) .

قوله تعالى : ( فلا يؤمنوا ) : في موضعه وجهان ؛

أحدهما : النصب ، وفيه وجهان ; أحدهما : هو معطوف على " ليضلوا " والثاني : هو جواب الدعاء في قوله اطمس ، واشدد . والقول الثاني : موضعه جزم ; لأن معناه الدعاء ، كما تقول : لا تعذبني .

قال تعالى : ( قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون ( 89 ) ) . قوله تعالى : ( ولا تتبعان ) : يقرأ بتشديد النون ، والنون للتوكيد ، والفعل مبني معها ، والنون التي تدخل للرفع لا وجه لها هاهنا ; لأن الفعل هنا غير معرب .

ويقرأ بتخفيف النون وكسرها ، وفيه وجهان ؛

أحدهما : أنه نهي أيضا ، وحذف النون الأولى من الثقيلة تخفيفا ، ولم تحذف الثانية ; لأنه لو حذفها لحذف نونا محركة ، واحتاج إلى تحريك الساكنة ، وحذف الساكنة أقل تغيرا . والوجه الثاني : أن الفعل معرب مرفوع ، وفيه وجهان أحدهما : هو خبر في معنى النهي كما ذكرنا في قوله : ( لا تعبدون إلا الله ) : والثاني : هو في موضع الحال ، والتقدير : فاستقيما غير متبعين .

[ ص: 21 ] قال تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ( 90 ) ) . قوله تعالى : ( وجاوزنا ببني إسرائيل ) : الباء للتعدية مثل الهمزة ، كقولك : أجزت الرجال البحر .

( بغيا وعدوا ) : مفعول من أجله ، أو مصدر في موضع الحال .

قال تعالى : ( آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ( 91 ) ) .

قوله تعالى : ( آلآن ) العامل فيه محذوف تقديره : أتؤمن الآن ؟ . قال تعالى : ( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ( 92 ) ) .

قوله تعالى : ( ببدنك ) في موضع الحال ; أي عاريا .

وقيل : بجسدك لا روح فيه . وقيل : بدرعك .

قال تعالى : ( ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ( 92 ) ) .

قوله تعالى : ( مبوأ صدق ) : يجوز أن يكون مصدرا ، وأن يكون مكانا .

قال تعالى : ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين ( 98 ) ) .

قوله تعالى : ( إلا قوم يونس ) : هو منصوب على الاستثناء المنقطع ; لأن المستثنى منه القرية ، وليست من جنس القوم . وقيل : هو متصل ; لأن التقدير : فلولا كان أهل قرية . ولو كان قد قرئ بالرفع لكانت إلا فيه بمنزلة " غير " ، فيكون صفة .

قال تعالى : ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ( 101 ) ) .

قوله تعالى : ( ماذا في السماوات ) : هو استفهام في موضع رفع بالابتداء . و " في السماوات " الخبر ، و " انظروا " معلقة عن العمل .

ويجوز أن يكون بمعنى الذي ، وقد تقدم أصل ذلك .

[ ص: 22 ] ( وما تغني ) : يجوز أن تكون استفهاما في موضع نصب ، وأن تكون نفيا .

قال تعالى : ( ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ( 103 ) ) . قوله تعالى : ( كذلك حقا ) : فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن " كذلك " في موضع نصب صفة لمصدر محذوف ; أي إنجاء كذلك . وحقا بدل منه . والثاني : أن يكونا منصوبين بـ " ننج " التي بعدهما . والثالث : أن يكون " كذلك " للأولى ، وحقا للثانية .

ويجوز أن يكون " كذلك " خبر المبتدأ ; أي الأمر كذلك ، و " حقا " منصوب بما بعدها . قال تعالى : ( وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين ( 105 ) ) .

قوله تعالى : ( وأن أقم وجهك ) : قد ذكر في الأنعام مثله .

التالي السابق


الخدمات العلمية