الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وكلوا واشربوا ) فاعلم أنا ذكرنا أن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من الطعام في أيام حجهم إلا القليل ، وكانوا لا يأكلون الدسم ، يعظمون بذلك حجهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية لبيان فساد تلك الطريقة .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : إنهم كانوا يقولون : إن الله تعالى حرم عليهم شيئا مما في بطون الأنعام فحرم عليهم البحيرة والسائبة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية بيانا لفساد قولهم في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 52 ] واعلم أن قوله : ( وكلوا واشربوا ) مطلق يتناول الأوقات والأحوال ، ويتناول جميع المطعومات والمشروبات ، فوجب أن يكون الأصل فيها هو الحل في كل الأوقات ، وفي كل المطعومات والمشروبات إلا ما خصه الدليل المنفصل ، والعقل أيضا مؤكد له ؛ لأن الأصل في المنافع الحل والإباحة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله تعالى : ( ولا تسرفوا ) ففيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : أن يأكل ويشرب بحيث لا يتعدى إلى الحرام ، ولا يكثر الإنفاق المستقبح ولا يتناول مقدارا كثيرا يضره ولا يحتاج إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : وهو قول أبي بكر الأصم : إن المراد من الإسراف ، قولهم بتحريم البحيرة والسائبة ، فإنهم أخرجوها عن ملكهم ، وتركوا الانتفاع بها ، وأيضا إنهم حرموا على أنفسهم في وقت الحج أيضا أشياء أحلها الله تعالى لهم ، وذلك إسراف .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن حمل لفظ الإسراف على الاستكثار ، مما لا ينبغي أولى من حمله على المنع مما لا يجوز وينبغي .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إنه لا يحب المسرفين ) وهذا نهاية التهديد ؛ لأن كل ما لا يحبه الله تعالى بقي محروما عن الثواب ؛ لأن معنى محبة الله تعالى العبد إيصاله الثواب إليه ، فعدم هذه المحبة عبارة عن عدم حصول الثواب ، ومتى لم يحصل الثواب ، فقد حصل العقاب ؛ لانعقاد الإجماع على أنه ليس في الوجود مكلف ، لا يثاب ولا يعاقب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية