الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              3447 باب: في خيار الأئمة وشرارهم

                                                                                                                              ونحوه في النووي .

                                                                                                                              حديث الباب

                                                                                                                              ( وهو بصحيح مسلم \ النووي ص244 ج12 المطبعة المصرية)

                                                                                                                              [عن عوف بن مالك; عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; قال: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم. وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم". قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة. وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه; فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا من طاعة" ].

                                                                                                                              [ ص: 335 ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              [ ص: 335 ] (الشرح)

                                                                                                                              ( عن عوف بن مالك ) رضي الله عنه; ( عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "خيار أئمتكم: الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم ".) أي يدعون لكم.

                                                                                                                              فيه: دليل على مشروعية محبة الأئمة، والدعاء لهم، وأن من كان من الأئمة محبا للرعية، ومحبوبا لديهم، وداعيا لهم، ومدعوا له منهم: فهو من خيار الأئمة.

                                                                                                                              ( "وشرار أئمتكم: الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم") . يعني: من كان باغضا للرعية مبغوضا عندهم، يسبهم ويسبونه: فهو من شرارهم. وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم: أطاعوه وانقادوا له، وأثنوا عليه. فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول: إلى المحبة والطاعة، والثناء عليهم، كان من خيار الأئمة. ولما كان هو الذي يتسبب أيضا بالجور والشتم للرعية: إلى معصيتهم له وسوء القائلة منهم فيه، كان من شرار الأئمة.

                                                                                                                              [ ص: 336 ] ( قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيوف؟ فقال: "لا. ما أقاموا فيكم الصلاة") .

                                                                                                                              فيه: دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف، مهما كانوا مقيمين للصلاة . ويدل ذلك بمفهومه: على جواز المنابذة عند تركهم للصلاة.

                                                                                                                              ( وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يدا عن طاعة") . وزاد في رواية أخرى: "ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعته" .

                                                                                                                              فيه: دليل على أن من كره بقلبه، ما يفعله السلطان من المعاصي: كفاه ذلك. ولا يجب عليه زيادة عليه. وفي الصحيح: "من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده. فإن لم يستطع; فبلسانه. فإن لم يستطع، فبقلبه".

                                                                                                                              ويمكن حمل حديث الباب، وما في معناه: على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان.

                                                                                                                              [ ص: 337 ] ويمكن: أن يجعل مختصا بالأمراء، إذا فعلوا منكرا، لما في الأحاديث الصحيحة، من تحريم معصيتهم ومنابذتهم. فكفى في الإنكار عليهم: مجرد الكراهة بالقلب. لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهر بالعصيان. وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف، وهي منهي عنها.

                                                                                                                              وفيه: دليل على وجوب الصبر، على جور الأئمة، والنهي عن الخروج عليهم، ما أقاموا الصلاة.

                                                                                                                              وإنما خص الصلاة ههنا: لأنها فرق بين الإسلام والكفر. فمن أقامها; فهو مسلم، وتجب طاعته. ومن تركها عمدا; فقد كفر، وجاز الخروج عن طاعته.




                                                                                                                              الخدمات العلمية