الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      ونحن نقدم أمام القسم الأخير منها حكم الإمارة الخاصة لاشتراكهما في عقد الاختيار ثم نذكر القسم الثاني في إمارة الاستيلاء المعقودة عن اضطرار لنبني حكم الاضطرار على حكم الاختيار فيعلم فرق ما بينهما من شروط وحقوق .

                                      فأما الإمارة الخاصة ، فهو أن يكون الأمير مقصور الإمارة على تدبير الجيش وسياسة الرعية وحماية البيضة والذب عن الحريم ، وليس له أن يتعرض للقضاء والأحكام ولجباية الخراج والصدقات .

                                      فأما إقامة الحدود فما افتقر منها إلى اختيار لاختلاف الفقهاء فيه وافتقر إلى إقامة بينة لتناكر المتنازعين فيه فليس له التعرض لإقامتها لأنها من الأحكام الخارجة عن خصوص إمارته ، وإن لم يفتقر إلى اختيار ولا بينة أو افتقر إليهما فنفذ فيه اجتهاد الحاكم أو إقامة البينة عنده فلا يخلو أن يكون من حقوق الله سبحانه أو من حقوق الآدميين .

                                      فإن كان من حقوق الآدميين كحد القذف والقصاص في نفس أو طرف كان ذلك معتبرا بحال الطالب ، فإن عدل عنه إلى الحاكم [ ص: 38 ] كان الحاكم أحق باستيفائه لدخوله في جملة الحقوق التي ندب الحاكم إلى استيفائها ، وإن عدل الطالب باستيفاء الحد والقصاص إلى هذا الأمير كان الأمير أحق باستيفائه ، لأنه ليس بحكم وإنما هو معونة على استيفاء الحق وصاحب المعونة هو الأمير دون الحاكم ، فإن كان هذا الحد من حقوق الله تعالى المحضة كحد الزنا جلدا أو رجما فالأمير أحق باستيفائه من الحاكم لدخوله في قوانين السياسة وموجبات الحماية والذب عن الملة ، ولأن تتبع المصالح موكول إلى الأمراء المندوبين إلى البحث عنها دون الحكام المرصدين لفصل التنازع بين الخصوم فدخل في حقوق الإمارة ولم يخرج منها إلا بنص وخرج من حقوق القضاء فلم يدخل فيها إلا بنص .

                                      وأما نظره في المظالم ، فإن كان مما نفذت فيه الأحكام وأمضاه القضاة والحكام ; جاز له النظر في استيفائه معونة للمحق على المبطل وانتزاعا للمحق من المعترف المماطل ، لأنه موكول إلى المنع من التظالم والتغالب ومندوب إلى الأخذ بالتعاطف والتناصف ، فإن كانت المظالم مما تستأنف فيها الأحكام ويبتدأ فيها القضاء منع منه هذا الأمير لأنه من الأحكام التي لم يتضمنها عقد إمارته وردهم إلى حاكم بلده ; فإن نفذ حكمه لأحدهم بحق قام باستيفائه إن ضعف عنه الحاكم ، فإن لم يكن في بلده حاكم عدل بها إلى أقرب الحكام من بلده إن لم يلحقهما في المصير إليه مشقة ، فإن لحقت لم يكفلهما ذلك واستأمر الخليفة فيما تنازعا ، ونفذ حكمه فيه .

                                      وأما تسيير الحجيج من عمله فداخل في أحكام إمارته ، لأنه من جملة المعونات التي ندب لها .

                                      فأما إمامة الصلوات في الجمع والأعياد ، فقد قيل إن القضاة بها أخص وهو بمذهب الشافعي أشبه ، وقيل إن الأمراء بها أحق وهو بمذهب أبي حنيفة أشبه ، فإن تاخمت ولاية هذا الأمير ثغرا لم يكن له أن يبتدئ جهاد أهله إلا بإذن الخليفة وكان عليه حربهم ودفعهم إن هجموا عليه بغير إذنه لأن دفعهم من حقوق الحماية ومقتضى الذب عن الحريم .

                                      ويعتبر في ولاية هذه الإمارة [ ص: 39 ] الشروط المعتبرة في وزارة التنفيذ وزيادة شرطين عليها هما : الإسلام والحرية ، لما تضمنتها من الولاية على أمور دينية لا تصح مع الكفر والرق ، ولا يعتبر فيها العلم والفقه ، وإن كان فزيادة فضل ، فصارت شروط الإمارة العامة معتبرة بشروط وزارة التفويض لاشتراكهما في عموم النظر وإن اختلفا في خصوص العمل .

                                      وشروط الإمارة الخاصة تقصر عن شروط الإمارة العامة بشرط واحد وهو العلم لأن لمن عمت إمارته أن يحكم وليس ذلك لمن خصت إمارته : وليس على واحد من هذين الأميرين مطالعة الخليفة بما أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إذا كان معهودا إلا على وجه الاختيار تظاهرا بالطاعة ، فإن حدث حادث غير معهود أوقفاه على مطالعة الإمام وعملا فيه بأمره ، فإن خافا من اتساع الخرق إن أوقفاه قاما بما يدفع هجومه حتى يرد عليهما إذن الخليفة فيما يعملان به لأن رأي الخليفة لإشرافه على عموم الأمور أمضى في الحوادث النازلة .

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية