الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
والنصيحة لأئمة المسلمين معاونتهم على الحق ، وطاعتهم فيه ، وتذكيرهم ونهيهم في رفق ولطف ، ومجانبة الوثوب عليهم ، والدعاء لهم بالتوفيق .

والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم ، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم ، وستر عوراتهم ، وسد خلاتهم ، وسد روعاتهم ، ومجانبة الغش والحسد لهم .

قال الحافظ ابن رجب : ومن أنواع نصحهم تعليم جاهلهم ، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق ، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محبة لإزالة فسادهم ولو بحصول ضرر له في دنياه كما قاله بعض السلف : وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله وأن لحمي قرض بالمقاريض .

وكان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقول : يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله وعملتم به فكلما عملت فيكم بسنة وقع مني عضو حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي .

وقال بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده إن شئتم لأقسمن لكم بالله أن أحب عباد الله إلى الله الذين يحببون الله إلى عباده ويحببون عباد الله إلى الله ، ويسعون في الأرض بالنصيحة .

[ ص: 48 ] وقال ابن علية في قول بكر المزني : ما فاق أبو بكر رضي الله عنه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة ولكن بشيء كان في قلبه . قال الذي كان في قلبه الحب لله عز وجل والنصيحة في خلقه . ورفعه بعضهم بلفظ { ما فضل أبو بكر بفضل صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في قلبه } ذكره الغزالي في الإحياء . قال العراقي : لم أجده مرفوعا ، وهو عند الحكيم الترمذي في النوادر من كلام بكر بن عبد الله المزني .

وفي لفظ : ما فاتكم أو فضلكم أبو بكر بكثير صوم ولا صلاة ولكن بشيء وقر في صدره . وكل ذلك لم يصح مرفوعا والله الموفق .

وقال الفضيل بن عياض : ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس وسلامة الصدور والنصح للأمة .

وقال معمر : كان يقال : أنصح الناس لك من خاف الله فيك .

فلهذه الآثار وأمثالها بذل الناظم نصحه على قبوله بما وصف نفسه به من كون النصح صادرا ( من ) أخ ( شفيق ) متعلق بنصحا أو متعلق بيقبل ، أي يقبل من شفيق ، والشفيق ذو الشفقة . قال في القاموس : الورى كفتى الخلق ( حريص على زجر ) أي منع ( الأنام ) كسحاب وبالمد والأنيم كأمير الخلق أو الجن والإنس أو جميع ما على وجه الأرض كما تقدم ( عن ) الفعل ( الردي ) متعلق بزجر والمراد بالفعل الردي الحرام أو ما يعم المكروه فإن المكروه منهي عنه شرعا وإن كان هو ليس بممتنع من حيث كونه لا يعاقب على فعله ، وذلك لما قدمنا من قول عمر بن عبد العزيز وغيره . وكل هذا وأمثاله منتزع من قوله تعالى { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم } ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية