الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 52 ] ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ) الناس : اسم جمع لا واحد له من لفظه ، ومرادفه : أناسي ، جمع إنسان أو إنسي . قد قالت العرب : ناس من الجن ، حكاه ابن خالويه ، وهو مجاز إذ أصله في بني آدم ، ومادته عند سيبويه - رحمه الله - والفراء : همزة ونون وسين ، وحذفت همزته شذوذا ، وأصله أناس ونطق بهذا الأصل ، قال تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) ، فمادته ومادة الإنس واحدة . وذهب الكسائي إلى أن مادته نون وواو وسين ، ووزنه فعل مشتق من النوس وهو الحركة ، يقال : ناس ينوس نوسا إذا تحرك ، والنوس : تذبذب الشيء في الهواء ، ومنه نوس القرط في الأذن وذلك لكثرة حركته . وذهب قوم إلى أنه من نسي ، وأصله نسي ثم قلب فصار نيس ، تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا فقيل : ناس ، ثم دخلت الألف واللام . والكلام على هذه الأقوال مذكور في علم التصريف . من : موصولة ، وشرطية ، واستفهامية ، ونكرة موصوفة ، وتقع على ذي العلم ، وتقع أيضا على غير ذي العلم إذا عومل معاملة العالم ، أو اختلط به فيما وقعت عليه أو فيما فصل بها ، ولا تقع على آحاد ما لا يعقل مطلقا خلافا لزاعم ذلك . وأكثر لسان العرب أنها لا تكون نكرة موصوفة إلا في موضع يختص بالنكرة ، كقول سويد بن أبي كاهل :


رب من أنضجت غيظا صدره لو تمنى لي موتا لم يطع



ويقل استعمالها في موضع لا يختص بالنكرة ، نحو قول الشاعر :


فكفى بنا فضلا على من غيرنا     حب النبي محمد إيانا



وزعم الكسائي أن العرب لا تستعمل من نكرة موصوفة إلا بشرط وقوعها في موضع لا يقع فيه إلا النكرة ، وزعم هو وأبو الحسن الهنائي أنها تكون زائدة ، وقال الجمهور : لا تزاد . وتقع من على العاقل المعدوم الذي لم يسبقه وجود ، تتوهمه ، موجودا خلافا لبشر المريسي ، وفاقا للفراء ، وصححه أصحابنا . فأما قول العرب : أصبحت كمن لم يخلق . فتريد : كمن قد مات ، وأكثر المعربين للقرآن متى صلح عندهم تقدير ما أو من بشيء جوزوا فيها أن تكون نكرة موصوفة ، وإثبات كون ما نكرة موصوفة يحتاج إلى دليل ، ولا دليل قاطع في قولهم : مررت بما معجب لك لإمكان الزيادة ، فإن اطرد ذلك في الرفع والنصب من كلام العرب ، كأن سرني ما معجب لك وأحببت ما معجبا لك ، كان في ذلك تقوية لما دعى النحويون من ذلك ، ولو سمع لأمكنت الزيادة أيضا لأنهم زادوا ما بين الفعل ومرفوعه والفعل ومنصوبه . والزيادة أمر ثابت لما ، فإذا أمكن ذلك فيها فينبغي أن يحمل على ذلك ولا يثبت لها معنى إلا بدليل قاطع . وأمعنت الكلام في هذه المسألة بالنسبة إلى ما يقع في هذا الكتاب من علم النحو لما ينبني على ذلك في فهم القرآن .

القول : هو اللفظ الموضوع لمعنى وينطلق على اللفظ الدال على النسبة الإسنادية ، وهو الكلام وعلى الكلام النفساني ، ويقولون في أنفسهم : ( لولا يعذبنا الله ) ، وتراكيبه الست تدل على معنى الخفة والسرعة ، وهو متعد لمفعول واحد ، فإن وقعت جملة محكية كانت في موضع المفعول ، وللقول فصل معقود في النحو . الخداع : قيل إظهار غير ما في النفس ، وأصله الإخفاء ، ومنه سمي البيت المفرد في المنزل مخدعا لتستر أهل صاحب المنزل فيه ، ومنه الأخدعان : وهما العرقان المستبطنان في العنق ، وسمي الدهر خادعا لما يخفي من غوائله ، وقيل : الخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ، من قولهم : ضب خادع وخدع إذا أمر الحارث وهو صائد الضب ، يده على باب جحره أوهمه إقباله عليه ثم خرج من باب آخر ، وهو راجع إلى معنى القول الأول ، وقيل : أصله الفساد ، من قول الشاعر :


أبيض اللون لذيذا طعمه     طيب الريق إذا الريق خدع



أي فسد . إلا : حرف ، وهو أصل لذوات الاستثناء ، وقد يكون ما بعده وصفا ، وشرط الوصف به جواز [ ص: 53 ] صلاحية الموضع للاستثناء . وأحكام إلا مستوفاة في علم النحو . النفس : الدم ، أو النفس : المودع في الهيكل القائم به الحياة ، والنفس : الخاطر ، ما يدري أي نفسيه يطيع ، وهل النفس الروح أم هي غيره ؟ في ذلك خلاف . وفي حقيقة النفس خلاف كثير ، ويجمع على أنفس ونفوس ، وهما قياس فعل الاسم الصحيح العين في جمعيه القليل والكثير . الشعور : إدراك الشيء من وجه يدق مشتق من الشعر ، والإدراك بالحاسة مشتق من الشعار ، وهو ثوب يلي الجسد ومشاعر الإنسان حواسه .

التالي السابق


الخدمات العلمية