الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وأفعال القلوب كثيرة : منها حسن الظن بالله ، ومنها الحزن على ما فات من طاعته ، ومنها الفرح بفضله ورحمته ، ومنها محبة الطاعة والإيمان ، وكراهة الكفر والفسوق والعصيان ، ومنها الحب في الله والبغض في الله كحب الأنبياء وبغض العصاة والأشقياء ، ومنها الصبر على البليات والطاعات ، وعن المعاصي والمخالفات ، ومنها التذلل والتخضع والتخشع والتذكر والتيقظ ، وغبطة الأبرار على برهم ، والأخيار على خيرهم ، والأتقياء على تقواهم ، ومنها الكف عن أضداد هذه المأمورات ، ومنها الشوق إلى لقاء الله ، ومنها أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ، وأن يكره لهم مثل ما يكره لنفسه ، ومنها مجاهدة النفس والشيطان إذا دعوا إلى المخالفات والعصيان ، ومنها ذكرها ذم اللذات وذكر الوقوف بين يدي رب السموات ، ومنها السرور بطاعة الله والاغتمام بمعصية الله فنعم من سرته حسنته وساءته سيئته كما قال عليه السلام ، ومنها الإيمان بجميع ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم به من السابق واللاحق ، ومنها إضمار النصيحة لكل مسلم ، ومنها استحضار المخلوقات عند نزوع النفس إلى اتباع الشهوات .

ومنها أن يقدر إذا عبد ربه كأنه يراه لتقع العبادة على أكمل الأحوال ، فإن عجز عن ذلك فليقدر أن الله ناظر إليه ، ومطلع عليه ، وهذا هو إحسان [ ص: 223 ] العبادات ، ومنها تفريغ القلب من الأكوان الحادثات شغلا برب الأرض والسموات ، وهذا هو المعبر عنه بالفناء عند أهل الصفوة والصفاء ، وحقيقته غفلة عن كل شيء للشغل برب كل شيء ، ومنها الزهد في كل ما يمكن الاستغناء عنه من متاع الدنيا إلا ما استثناه الشرع بالحث عليه والندب إليه كالنكاح ، والزهد في الشيء خلو القلب من التعلق به مع الرغبة عنه ، والفراغ منه ، ولا يشترط خلو اليد منه ولا انقطاع الملك عنه ، فإن سيد المرسلين وقدوة الزاهدين مات عن فدك والعوالي ونصف وادي القرى وسهامه من خيبر ، وملك سليمان الأرض كلها وكان شغلهما بالله مانعا لهما من التعلق بكل ما ملكا .

التالي السابق


الخدمات العلمية