الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الثالث ) : ذكر جماعة من أصحابنا وغيرهم منهم الآجري والحافظ أبو موسى وابن مفلح في الآداب والحجاوي في إقناعه وشرح منظومة الآداب وغيرهم لقراءة القرآن آدابا ، منها إدمان تلاوته ، والبكاء فإن لم يكن فالتباكي ، وحمد الله عند قطع القراءة على توفيقه ونعمته ، وسؤال الثبات والإخلاص ، والسواك ابتداء ، وسؤال الرحمة عند آية رحمة ، وأن يتعوذ عند آية عذاب ، والجهر بالقراءة ليلا لا نهارا ، وأن يوالي قراءته ولا يقطعها بحديث الناس ما لم تعرض حاجة ، وأن يقرأ بالقراءة المستفيضة لا الشاذة الغريبة ، وأن تكون قراءته يعني ابتداءها على الصالحين العدول العارفين بمعانيها ، وأن يقرأ ما أمكنه في الصلاة ; لأنها أفضل أحوال العبد .

وفي الحديث إن { القراءة في الصلاة تضاعف على القراءة خارجا عنها } ، وأن يتحرى قراءته متطهرا ، وأن يستقبل القبلة إن كان قاعدا ، وأن يكثر التلاوة في رمضان ، وأن يتحرى أن يعرضه كل عام على من هو أقرأ منه ، وأن يقرأه بالإعراب وتقدم .

قال في الآداب الكبرى : قال بعض أصحابنا : إن المعنى الاجتهاد على حفظ إعرابه لا إنه يجوز الإخلال به عمدا فإن ذلك لا يجوز ويؤدب فاعله لتغييره القرآن ، وأن يفخمه ; لأنه روي عنه عليه السلام { نزل القرآن بالتفخيم } قال الحافظ أبو موسى معناه أن يقرأه على قراءة الرجال ، ولا يخضع الصوت به ككلام النساء وليس معناه كراهة الإمالة ويحتمل إرادتها ثم رخص فيها ، وأن يفصل كل سورة مما قبلها بالوقف أو التسمية ، ولا يقرأ من أخرى قبل فراغ الأولى ، وأن يقف على رءوس الآي وإن لم يتم الكلام .

وقاله أبو موسى ، وفيه خلاف بينهم كوقفه عليه السلام في قراءة الفاتحة على كل آية وإن لم يتم الكلام . قال أبو موسى : ولأن الوقف على آخر السور لا شك في استحبابه ، وقد يتعلق بعضها ببعض كسورة الفيل مع قريش . وأن يعتقد جزيل [ ص: 401 ] ما أنعم الله تعالى به عليه إذ أهله لحفظ كتابه ، ويستصغر عرض الدنيا أجمع في جنب ما خوله تعالى ، ويجتهد في شكره ، وأن يترك المباهاة ، وأن لا يطلب به الدنيا بل ما عند الله ، وأن لا يقرأ في المواضع القذرة .

وينبغي أن يكون ذا سكينة ووقار وقناعة ورضا بما قسم الله تعالى ، مجانبا للدنيا ، محاسبا لنفسه ، يعرف القرآن في خلقه وسمته ; لأنه صاحب كتاب الملك ، والمطلع على ما وعد فيه وأوعد ، وحث عليه وهدد ، فإذا بدرت منه سيئة بادر محوها بالحسنة .

وروى الحافظ أبو موسى بإسناده عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ينبغي لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مفطرون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخلطون ، وبخشوعه إذا الناس يختالون . وينبغي أن يكون باكيا محزونا حكيما عليما سكينا ، ولا يكون جافيا ولا غافلا ولا صخبا ولا صياحا ولا حديدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية