الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 940 ] [ 35 ] باب الوتر

الفصل الأول

1254 - عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح ; صلى ركعة واحدة ، توتر له ما قد صلى " . متفق عليه .

التالي السابق


[ 35 ] باب الوتر

أي : صلاة الوتر : وبيان وقته وعدد ركعاته ، وكونه واجبا أو سنة .

الفصل الأول

1254 - ( عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صلاة الليل " ) : قال ابن حجر : وفي رواية صحيحة : صلاة الليل والنهار ( " مثنى " ) : بلا تنوين لعدم انصرافه للعدل والوصف على ما قاله سيبويه ، أي : ثنتين ثنتين قال ابن الملك : استدل أبو يوسف ومحمد والشافعي به على أن الأفضل في نافلة الليل أن يسلم من كل ركعتين ( " مثنى " ) : تأكيد للأول ، قاله الطيبي . ( " فإذا خشي " ) ، أي : خاف ( " أحدكم الصبح " ) ، أي : طلوعه وظهوره ( " صلى ركعة واحدة ، توتر " ) ، أي : تلك الركعة . والإسناد مجازي لما ورد من النهي عن البتيراء ، ولو كان مرسلا إذ المرسل حجة عند الجمهور ، ولما روي عن ابن مسعود من قوله : ما أجزأت ركعة قط وهو موقوف في حكم المرفوع ، ولا يوجد مع الخصم حديث يدل على ثبوت ركعة مفردة في حديث صحيح ولا ضعيف ، فيئول ما ورد من محملات الأحاديث للجمع بينهما ، وقوله : صح أنه صلى الله عليه وسلم اقتصر على الإيتار بواحدة . رده ابن الصلاح بأنه لم يحفظ ذلك ، وقول ابن حجر : إن هذا غفلة منه ، مجرد دعوى فلا تقبل ، ولهذا قال جماعة من أصحاب الشافعي بكراهة الإيتار بركعة ، وجواب ابن حجر أن مراده أنه يكره الاقتصار عليها لا أن فعلها لا ثواب فيه حجة عليه ; إذ لو ثبت من فعله عليه الصلاة والسلام الإيتار لا يحل لأحد أن يقول : يكره الاقتصار ، خصوصا على مقتضى قاعدة الشافعية أن المكروه ما ورد عنه نهي مقصود ، فدل على أن النهي عن البتيراء صحيح . ( " له " ) ، أي : لأحدكم ( " ما قد صلى " ) ، أي : من الشفع السابق ، قال ابن الملك ، أي تجعل هذه الركعة الصلاة التي صلاها في الليل وترا بعد أن كانت شفعا ، والحديث حجة للشافعي في قوله : الوتر ركعة واحدة . اهـ .

وفيه أن نحو هذا كان قبل أن يستقر أمر الوتر ، قاله ابن الهمام . وهذا جواب تسليمي فإنه قال أيضا : ليس في الحديث دلالة على أن الوتر واحدة بتحريمة مستأنفة ليحتاج إلى الاشتغال بجوابه ; إذ يحتمل كلا من ذلك ، ومن كونه إذا خشي الصبح صلى واحدة متصلة ، فأنى يقاوم الصراح التي يأتي ذكرها ، وغيرها كثير تركناه لحال الطول ، مع أن أكثر الصحابة عليه ، وقال الطحاوي : معناه صلى ركعة مع ثنتين قبلها ، ومذهبنا قوي من جهة النظر ; لأن الوتر لا يخلو أن يكون فرضا أو سنة فإن كان فرضا ، فالفرض ليس إلا ركعتين أو ثلاثا أو أربعا ، وأجمعوا على أن الوتر لا يكون ثنتين ولا أربعا ، فيثبت أنه ثلاث ، وإن كان سنة فلم نجد سنة إلا ولها مثل في الفرض .

وأغرب ابن حجر حيث قال : خالف أبو حنيفة السنة الصحيحة كهذا الحديث ، وحديث عائشة السابق يسلم من ركعتين ويوتر بواحدة ، فلا يراعى خلافه حينئذ ، وأنت قد علمت أن الدليل مع الاحتمال لا يصلح للاستدلال ، ثم قال : وخبر الوتر ثلاث كوتر النهار المغرب . لا يصح مرفوعا ، وإنما هو قول ابن مسعود . قلت : لو سلم عدم صحة المرفوع ، فهذا الموقوف في حكم المرفوع قال : وخبر كان لا يسلم في ركعتي الوتر محمول على الجواز جمعا بين الأدلة . قلت : يأبى عن ذلك ( كان ) الدال على الاستمرار لغة أو عرفا ، وأيضا هذا منطوق صريح ، فيئول بما يوافقه كل حديث صحيح .

ومن أعجب العجاب أن بعضهم كره وصل الثلاث ، وبه أفتى القاضي حسين أخذا من حديث لا يعرف له أصل صحيح : لا توتروا بثلاث وأوتروا بخمس أو سبع ، ولا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب ، مع أنه لو صح لحمل على أول الأمر لما سيأتي من الأحاديث الصحيحة الصريحة أنه - عليه السلام - صلى الوتر ثلاثا موصولا ، أو المراد منه النهي التنزيهي عن الاقتصار في صلاة الليل على ثلاث ركعات ، ويؤيده قوله : أوتروا بخمس أو سبع للإجماع على جواز الثلاث وعلى عدم وجوب الخمس والسبع ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا تشبهوا الوتر بصلاة المغرب " ، أي : في أنه لا يسبقه صلاة ، أو بأن يكون بلا قنوت . ( متفق عليه ) : ورواه أبو داود ، والنسائي ، وأحمد ، وزاد مسلم : في كل ركعتين .

[ ص: 941 ]



الخدمات العلمية