الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : قرأ ابن عامر "ما كنا" بغير واو وكذلك هو في مصاحف أهل الشام ، والباقون بالواو ، والوجه في قراءة ابن عامر أن قوله : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) جار مجرى التفسير لقوله : ( هدانا لهذا ) فلما كان أحدهما عين الآخر ، وجب حذف الحرف العاطف .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله : ( وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) دليل على أن المهتدي من هداه الله ، وإن لم يهده الله لم يهتد ، بل نقول : مذهب المعتزلة أن كل ما فعله الله تعالى في حق الأنبياء عليهم السلام والأولياء من أنواع الهداية والإرشاد ، فقد فعله في حق جميع الكفار والفساق ، وإنما حصل الامتياز بين المؤمن والكافر والمحق والمبطل بسعي نفسه واختيار نفسه ، فكان يجب عليه أن يحمد نفسه ؛ لأنه هو الذي حصل لنفسه الإيمان ، وهو الذي أوصل نفسه إلى درجات الجنان ، وخلصها من دركات النيران ، فلما لم يحمد نفسه البتة ، وإنما حمد الله فقط . علمنا أن الهادي ليس إلا الله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا : ( لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) وهذا من قول أهل الجنة حين رأوا ما وعدهم الرسل عيانا ، وقالوا : لقد جاءت رسل ربنا بالحق .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ونودوا أن تلكم الجنة ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ذلك النداء إما أن يكون من الله تعالى ، أو أن يكون من الملائكة ، والأولى أن يكون المنادي هو الله سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : ذكر الزجاج في كلمة "أن" ههنا وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أنها مخففة من الثقيلة ، والتقدير : " أنه " والضمير للشأن ، والمعنى : نودوا بأنه تلكم الجنة ، أي نودوا بهذا القول .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال : وهو الأجود عندي أن تكون "أن" في معنى تفسير النداء ، والمعنى : ونودوا أي تلكم الجنة ، والمعنى : قيل لهم : تلكم الجنة ؛ كقوله : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا ) [ص : 6] يعني أي امشوا . قال : إنما قال : "تلكم" لأنهم وعدوا بها في الدنيا . فكأنه قيل لهم : هذه تلكم التي وعدتم بها ، وقوله : ( أورثتموها ) فيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            القول الأول : وهو قول أهل المعاني أن معناه : صارت إليكم كما يصير الميراث إلى أهله ، والإرث قد يستعمل في اللغة ولا يراد به زوال الملك عن الميت إلى الحي ، كما يقال : هذا العمل يورثك الشرف [ ص: 68 ] ويورثك العار أي : يصيرك إليه ، ومنهم من يقول : إنهم أعطوا تلك المنازل من غير تعب في الحال فصار شبيها بالميراث .

                                                                                                                                                                                                                                            والقول الثاني : أن أهل الجنة يورثون منازل أهل النار . قال صلى الله عليه وسلم : ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل ، فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ؛ رفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها فقيل لهم : هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله ، ثم يقال : يا أهل الجنة رثوهم بما كنتم تعملون, فيقسم بين أهل الجنة منازلهم

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية