الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كائنة غريبة جدا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لما كان يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد علي وغيره ، واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة ، وجاءوا إلى أماكن متهمة بالخمر وبيع الحشيش ، فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر ، وأراقوا ما فيها ، وأتلفوا شيئا كثيرا من الحشيش ، وغيره ، ثم انتقلوا [ ص: 578 ] إلى حكر السماق وغيرهم ، فثار عليهم من البارذارية ، والكلابرية ، وغيرهم من الرعاع ، فتناوشوا ، وجرت بينهم ضربات بالأيدي ، وغيرها ، وربما سل بعض الفساق السيوف عليهم كما ذكر . وقد رسم ملك الأمراء لوالي المدينة ، ووالي البر أن يكونوا عضدا لهم ، وعونا على الخمارين والحشاشة ، فنصروهم عليهم ، غير أنه كثر معهم الضجيج ، ونصبوا راية ، واجتمع عليهم خلق كثير . ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعة من النقباء والخزاندارية ، ومعهم جنازير ، فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وغيرهم ، وضربوا بالمقارع ، وطيف بهم في البلد ، ونادوا عليهم : هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان . فتعجب الناس من ذلك ، وأنكروه ، حتى إنه أنكر اثنان من العامة على المنادية ، فضرب بعض الجند أحدهما بدبوس فقتله ، وضرب الآخر ، فيقال : إنه مات أيضا . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان من هذه السنة حكي عن جارية من عتيقات الأمير سيف الدين تمر المهمندار أنها حملت قريبا من سبعين يوما ، ثم شرعت تطرح ما في بطنها ، فوضعت قريبا من أربعين يوما في أيام متوالية ومتفرقة أربع عشرة بنتا ، وصبيا بعدهن ، كلهن يعرف بشكل الذكر من الأنثى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجاء الخبر بأن الأمير سيف الدين شيخون مدبر الممالك بالديار المصرية والشامية ، ظفر عليه مملوك من مماليك السلطان ، فضربه بالسيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده; منها ما هو في وجهه ، ومنها ما هو في يده ، فحمل إلى منزله صريعا طريحا جريحا ، وغضبت لذلك طوائف من الأمراء حتى قيل إنهم ركبوا ، [ ص: 579 ] ودعوا إلى المبارزة ، فلم يجئ إليهم ، وعظم الخطب بذلك جدا ، واتهموا به الأمير سيف الدين صرغتمش ، وغيره ، وأن هذا إنما فعل عن ممالأة منهم . فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية