الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب تيمم الجنب

                                                                                                          حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلا سأل سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء فقال سعيد إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل قال مالك فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء وهو لا يعطش حتى يأتي الماء قال يغسل بذلك فرجه وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيدا طيبا كما أمره الله وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابا إلا تراب سبخة هل يتيمم بالسباخ وهل تكره الصلاة في السباخ قال مالك لا بأس بالصلاة في السباخ والتيمم منها لأن الله تبارك وتعالى قال فتيمموا صعيدا طيبا فكل ما كان صعيدا فهو يتيمم به سباخا كان أو غيره

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          25 - باب تيمم الجنب

                                                                                                          125 123 - ( مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلا سأل سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء فقال سعيد : إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل ) من الصلوات ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للذي أجنب فلم يصل معه : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " ثم لما وجد الماء أعطاه إناء من ماء قال : " اذهب فأفرغه عليك " كما في الصحيحين لأنه وجد الماء فبطل تيممه

                                                                                                          ( قال مالك فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا على قدر الوضوء [ ص: 227 ] وهو لا يعطش حتى يأتي الماء قال : يغسل بذلك ) الماء ( فرجه وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيدا طيبا ) طاهرا ( كما أمره الله ) إذ ليس معه ما يكفيه لغسله

                                                                                                          ( وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد ترابا إلا تراب سبخة ) بمهملة وموحدة ثم معجمة مفتوحات أرض مالحة لا تكاد تنبت ، وإذا وصفت الأرض قلت أرض سبخة بكسر الموحدة أي ذات سباخ ( هل يتيمم بالسباخ ؟ وهل تكره الصلاة في السباخ ؟ قال مالك : لا بأس بالصلاة في السباخ ) أي يجوز ( والتيمم منها ) وبه قال جماعة الفقهاء إلا إسحاق بن راهويه قاله ابن عبد البر ، زاد الباجي : وهو مروي عن مجاهد انتهى

                                                                                                          واحتج ابن خزيمة لجوازه بالسبخة بقوله - صلى الله عليه وسلم - : " أريت دار هجرتكم سبخة ذات نخل " يعني المدينة قال : وقد سماها طيبة فدل على أن السبخة داخلة في الطيب ولذا قال الإمام : ( لأن الله تبارك وتعالى قال فتيمموا صعيدا ) والصعيد وجه الأرض كان عليه تراب أو لم يكن ، قاله الخليل ، وابن الأعرابي ، والزجاج قائلا : لا أعلم فيه خلافا بين أهل اللغة قال الله تعالى وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ( سورة الكهف : الآية 8 ) أي أرضا غليظة لا تنبت شيئا

                                                                                                          وقال فتصبح صعيدا زلقا ( سورة الكهف : الآية 40 ) ومنه قول ذي الرمة :


                                                                                                          كأنه بالضحى يرمي الصعيد به دبابة في خطام الرأس خرطوم



                                                                                                          وإنما سمي صعيدا لأنه نهاية ما يصعد إليه من الأرض ( طيبا ) أي طاهرا باتفاق العلماء

                                                                                                          ( فكل ما كان صعيدا فهو يتيمم به سباخا كان أو غيره ) من وجه الأرض كلها لأنه مدلول الصعيد لغة

                                                                                                          وقال - صلى الله عليه وسلم - : " وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " رواه الشيخان في حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - فكل موضع جازت الصلاة فيه من الأرض جاز التيمم به

                                                                                                          وقال - صلى الله عليه وسلم - : " يحشر الناس على صعيد واحد " أي أرض واحدة .

                                                                                                          وقال ابن عباس : أطيب الصعيد أرض الحرث .

                                                                                                          فدل على أن الصعيد يكون غير أرض الحرث ، وبهذا قال أبو حنيفة وأحمد وعنه أيضا كالشافعي هو التراب خاصة لحديث حذيفة عند مسلم : " وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها طهورا إذا لم نجد الماء " وهذا خاص فينبغي [ ص: 228 ] حمل العام عليه فيخص الطهورية بالتراب ، ورد بأن تربة كل مكان ما فيه من تراب أو غيره

                                                                                                          وأجيب بأنه ورد حديث حذيفة بلفظ : " وترابها " رواه ابن خزيمة وغيره

                                                                                                          وفي حديث علي : " وجعل التراب لي طهورا " أخرجه أحمد والبيهقي بإسناد حسن ، فقوي تخصيص عموم حديث جابر بالتراب . قال القرطبي : وليس كذلك وإنما هو من باب النص على بعض أشخاص العموم كما قال تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان ( سورة الرحمن : الآية 68 ) انتهى ، أي لأن شرط المخصص أن يكون منافيا ، والتراب ليس بمناف للصعيد لأنه بعض منه فالنص عليه في حديث علي وحذيفة لبيان أفضليته على غيره لا لأنه لا يجزئ غيره ، والصعيد اسم لوجه الأرض وهو نص القرآن وليس بعد بيان الله تعالى بيان ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - للجنب : " عليك بالصعيد فإنه يكفيك " فنص له على العام في وقت البيان ، ودعوى أن الحديث سبق لإظهار التخصيص والتشريف ، فلو جاز بغير التراب لما اقتصر عليه في حديث حذيفة وعلي ممنوعة ، وسنده عليه أن شأن الكريم الامتنان بالأعظم وترك الأدون ، على أنه قد امتن بالكل في حديثجابر ، فقد حصلت المنة بهذا تارة وبالآخر أخرى لمناسبة اقتضاء الحال ، وكذا زعم أن افتراق اللفظ بالتأكيد في رواية : وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا دون الآخر دال على افتراق الحكم ، وإلا لعطف أحدهما على الآخر بلا تأكيد كما في رواية جابر مدفوع بأن حديث جابر دل على عدم الافتراق ، إذ لو كان المراد افتراق الحكم لما تركه في حديث جابر ، وقد يكون تأكيد كون الأرض مسجدا ردا على منكر ذلك دون كونها صعيدا لثبوته بالقرآن ، فلا دلالة فيه على افتراق الحكم البتة والله تعالى أعلم




                                                                                                          الخدمات العلمية