الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كائنة وقعت بقرية حوران فأوقع الله بهم بأسا شديدا في هذا الشهر الشريف

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحوران ، وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن ، ويقال لهم : بنو لبسه ، وبني ناشي ، وهي حصينة منيعة ، يضوي إليها كل مفسد ، وقاطع ، ومارق ، ولجأ إليهم أحد شياطين روس العشير ، وهو عمر المعروف بالدنيط ، فأعدوا عددا كثيرة ، ونهبوا ليغنموا العشير ، وفي هذا الحين بدرهم والي الولاة المعروف بشنكل منكل ، فجاء إليهم ليردهم ، ويهديهم ، وطلب منهم عمر الدنيط فأبوا عليه ، وراموا مقاتلته ، وهم جمع كثير ، وجم غفير ، فتأخر عنهم ، وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم ، فجهز له جماعة من أمراء الطبلخاناه ، والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة ، فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ، ورموه بالحجارة والمقاليع ، وحجزوا [ ص: 597 ] بينهم وبين البلد ، فعند ذلك رمتهم الأتراك بالنبال من كل جانب ، فقتلوا منهم فوق المائة ، ففروا راجعين على أعقابهم ، وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا ، وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى ، ونهبت بيوت الفلاحين كلها ، وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة; لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم ، وكر راجعا إلى بصرى ، وشيوخ العشيرات معه ، فأخبرني الأمير صلاح الدين بن خاص ترك - وكان من جملة أمراء الطبلخاناه الذين قاتلوهم - بمبسوط ما يخصه ، وأنه كان إذا أعيا بعض أولئك الأسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الأسرى ، وفعل هذا بهم غير مرة حتى إنه قطع رأس شاب منهم ، وعلق رأسه على أبيه; شيخ كبير ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، حتى قدم بهم بصرى فشكل طائفة من أولئك المأسورين ، وشكل آخرين ووسط الآخرين ، وحبس بعضهم في القلعة ، وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى ، فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الأوان بأهل حوران ، وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم ، وما ربك بظلام للعبيد وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون [ الأنعام : 129 ] . فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية