الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( ألا له الخلق والأمر ) أي لا خالق إلا هو .

                                                                                                                                                                                                                                            ولقائل أن يقول : لا يلزم من كونه تعالى خالقا لهذه الأشياء أن يقال : لا خالق على الإطلاق إلا هو ، فلم رتب على إثبات كونه خالقا لتلك الأشياء إثبات أنه لا خالق إلا هو على الإطلاق ؟ فنقول : الحق أنه متى ثبت كونه تعالى خالقا لبعض الأشياء ، وجب كونه خالقا لكل الممكنات ، وتقريره : أن افتقار المخلوق إلى الخالق لإمكانه ، والإمكان واحد في كل الممكنات ، وهذا الإمكان إما أن يكون علة للحاجة إلى مؤثر متعين ، أو إلى مؤثر غير متعين . والثاني باطل ؛ لأن كل ما كان موجودا في الخارج ، فهو متعين في نفسه ، فيلزم منه أن ما لا يكون متعينا في نفسه لم يكن موجودا في الخارج ، وما لا وجود له في الخارج امتنع أن يكون علة لوجود غيره في الخارج ، فثبت أن الإمكان علة للحاجة إلى موجد ومعين ، فوجب أن يكون جميع الممكنات محتاجا إلى ذلك المعين . فثبت أن الذي يكون مؤثرا في وجود شيء واحد ، هو المؤثر في وجود كل الممكنات .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 104 ] أما قوله تعالى : ( تبارك الله رب العالمين ) فاعلم أنه سبحانه لما بين كونه خالقا للسماوات ، والأرض ، والعرش ، والليل ، والنهار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، وبين كون الكل مسخرا في قدرته وقهره ومشيئته ، وبين أن له الحكم والأمر والنهي والتكليف ، بين أنه يستحق الثناء والتقديس والتنزيه ، فقال : ( تبارك الله رب العالمين ) وقد تقدم تفسير " تبارك " فلا نعيده .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه تعالى بدأ في أول الآية : ( رب السماوات والأرضين ) وسائر الأشياء المذكورة ، ثم ختم الآية بقوله : ( تبارك الله رب العالمين ) والعالم كل موجود سوى الله تعالى ، فبين كونه ربا وإلها وموجودا ومحدثا لكل ما سواه ، ومع كونه كذلك فهو رب ومرب ومحسن ومتفضل . وهذا آخر الكلام في شرح هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية