الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 409 ] ثم دخلت سنة تسع وخمسين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قدم شاور بن مجير الدين ، أبو شجاع السعدي الملقب بأمير الجيوش ، وهو إذ ذاك وزير الديار المصرية بعد آل رزيك ، لما قتل الناصر رزيك بن طلائع وقام في الوزارة بعده ، واستفحل أمره فيها ، فثار عليه أمير يقال له : الضرغام بن سوار ، وجمع له جموعا كثيرة ، واستظهر عليه ، وقتل ولديه طيا وسليمان ، وأسر الثالث وهو الكامل بن شاور ، فسجنه ولم يقتله ; ليد كانت لأبيه عنده ، واستوزر ضرغام بعده ولقب بالمنصور ، فخرج شاور من الديار المصرية هاربا من العاضد وضرغام ، ملتجئا إلى نور الدين محمود ، فأمر له نور الدين بجوسق الميدان الأخضر ، وأحسن ضيافته وكرامته ، وطلب منه شاور عسكرا يكونون معه ; ليفتح بهم الديار المصرية ، ويكون لنور الدين ثلث مغلها ، فأرسل معه جيشا عليه أسد الدين شيركوه بن شاذي ، فلما دخلوا بلاد مصر خرج إليهم الجيش الذين بها ، فاقتتلوا أشد القتال ، فهزمهم أسد الدين ، وقتل منهم خلقا ، وقتل ضرغام بن سوار ، وطيف برأسه في البلاد ، واستقر أمر شاور في الوزارة ، وتمهد حاله ، ثم اصطلح العاضد وشاور على أسد الدين ، ورجع [ ص: 410 ] شاور عما كان عاهد عليه نور الدين ، وأمر أسد الدين بالرجوع ، فلم يقبل منه ، وعاث في البلاد ، وأخذ أموالا كثيرة ، وافتتح بلدانا كثيرة من الشرقية وغيرها ، فاستغاث شاور عليهم بملك الفرنج الذي بعسقلان ، واسمه مري ، فأقبل إليه في خلق كثير فتحول أسد الدين إلى بلبيس وقد حصنها وشحنها بالعدد والآلات ، وغير ذلك ، فحصروه فيها ثمانية أشهر ، وامتنع أسد الدين وأصحابه أشد الامتناع ، فبينما هم على ذلك إذ جاءت الأخبار بأن الملك نور الدين قد اغتنم غيبة الفرنج فسار بالعساكر إلى بلادهم فقتل منهم خلقا كثيرا ، وفتح حارما وقتل من الفرنج خلقا ، وسار إلى بانياس فضعف أمر الفرنج بديار مصر عند ذلك ، وطلبوا من أسد الدين المصالحة فأجابهم إلى ذلك ، وقبض من شاور ستين ألف دينار ، وخرج أسد الدين وجيشه فساروا إلى الشام في ذي الحجة منها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية