الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وأما فرائض الوضوء فاختلف أهل المذهب في عددها فعدها ابن شاس وابن الحاجب وغيرهما ستة : الأعضاء الأربعة المذكورة في الآية الشريفة ، والنية ، والموالاة . ويعبر عنها بالفور وجعلوا الدلك راجعا للغسل ، وعدها ابن يونس وابن بشير وغيرهما سبعة : الستة المذكورة ، والماء المطلق . وعدها ابن رشد ثمانية : السبعة المذكورة ، والترتيب . وعدها غيره ثمانية أيضا لكنه جعل بدل الترتيب الجسد الطاهر ، واقتصر صاحب الطراز على عد الأعضاء الأربعة قال : وأما النية فنعتها بالشرطية أظهر من نعتها بالفرضية . وكأنه رأى أن الدلك والموالاة يرجعان إلى صفة الغسل ، وعدها المصنف سبعة : الأعضاء الأربعة ، والنية والدلك ، والموالاة . إلا أنه ذكر فيها قولين مشهورين ، ولم يعد الترتيب ; لأن المشهور فيه أنه سنة على تفصيل سيأتي ، ولم يعد الماء المطلق ; لأنه شرط وجوب كما تقدم ، ولم يعد الجسد الطاهر كما عده الأبهري وغيره ; لأن الذي ارتضاه في توضيحه في باب الغسل وابن عرفة هنا أنه لا يشترط طهارة المحل قبل ورود الماء لغسل الوضوء . قال ابن عرفة : وظاهر قول عبد الحق وبعض شيوخه في انغماس الجنب والمازري في نية رفع الحدث وإزالة النجاسة ، وسماع ابن أبي زيد وابن القاسم لا بأس بوضوئه بطهور ينقله لأعضائه وبها ماء نجس ، وقول ابن القاسم فيها في ماء توضأ به إن لم يجد [ ص: 183 ] غيره توضأ به ولا ينجس ثوبا أصابه إن كان الذي توضأ به أولا طاهرا .

                                                                                                                            عدم شرط طهارة المحل قبل ورود الماء لغسل الوضوء خلافا للجلاب وأخذه من قول ابن مسلمة في اشتباه الآنية ويغسل أعضاءه فما قبله يرد بكونه لاحتمال قصور وضوئه الثاني عن محل الأول ، وأخذه من قول الباجي : رأيت لابن مسلمة من كان بذراعه نجاسة فتوضأ ولم ينقها أعاد أبدا يرد بأن نصها في النوادر بزيادة فكأنه لم يغسل محلها ولو كانت برأسه أعاد في الوقت ; لأن ترك بعضه لا شيء فيه ، فهذا بين في أن إعادته لترك محلها إذا كانت في الرأس في الوقت ; لأنها فيه كصلاته بنجاسة انتهى . وقال الأبي في شرح مسلم في شرح حديث ميمونة في الغسل : وإن شاء نوى الجنابة عند غسل الأذى ولا يعيد غسل محله على المشهور في أن طهارة الحدث ليس من شرطها أن ترد على الأعضاء وهي طاهرة . وقال ابن الجلاب : شرطها ذلك ، واختاره جماعة وكلام المصنف يأتي في باب الغسل مع كلام الجزولي وصاحب الطراز وغيرهما وأنه إذا غسل موضع الأذى بنية الجنابة وإزالة النجاسة أجزأه على المشهور ، والذي ذكره ابن عرفة عن سماع أبي زيد هو قوله فيمن نزل في حوض نجس ثم خرج وغسل يديه وغرف بهما من الماء الطهور وغسل بهما وجهه وفيه الماء النجس ثم ردهما وغرف بهما وغسل بقية أعضائه ، وقال : ليس بهذا بأس وأراه سهلا ، وقد قال : هذا مما أجازه الناس وكلام ابن رشد صريح في أنه لا يشترط ذلك فإنه قال : ولو نجس طهوره برد يديه فيه بعد أن مس بهما جسمه في نقل الماء إليه وغسله لوجب أن ينجس الماء الذي نقله إليه بملاقاته إياه فلا يطهر أبدا ، وفي الإجماع على فساد هذا ما يقضي بفساد قول من قال : إن طهره ينجس بذلك وإن الغسل لا يجزي والله تعالى الموفق انتهى .

                                                                                                                            وقال ابن ناجي في شرح قوله في المدونة ولا ينجس ثوبا أصابه إن كان الذي توضأ به أولا طاهر الأعضاء قال المغربي : يقوم منها أنه لا يشترط في أعضاء المتوضئ أن تكون طاهرة ; لأنه اشترط الطهارة في حق المتوضئ الثاني ، وأما الأول فهو صحيح بالإطلاق على ظاهر كلامه خلافا لابن الجلاب قال ابن ناجي : ما ذكره صحيح ، ثم قال : وقول ابن الجلاب مشكل ; لأنه يقول في الماء اليسير : تحله النجاسة أنه لا ينجس انتهى .

                                                                                                                            ( قلت ) وعبارة الجلاب ليست صريحة فيما ينسبونه إليها ونصها : وإزالة النجاسة عن الثوب والجسد والمكان مسنونة غير مفروضة إلا أن تكون في أعضاء الوضوء فتجب إزالتها ; لأنه لا يصح تطهير الأعضاء مع وجودها فيها ، فوجب إزالتها لذلك لا لنفسها فتأمله .

                                                                                                                            ( فرع ) قال أبو الحسن الصغير في الكلام على مسألة الحناء : ولم يشترط أحد طهارة الأعضاء من الدنس . ويأتي الكلام على ما إذا انضاف الماء بعد وصوله للعضو في الكلام على مسح الرأس وعلى الدلك والله تعالى أعلم

                                                                                                                            وقول الشيخ زروق في شرح القرطبية : إنه يدخله الخلاف الذي في الماء القليل تحله نجاسة ليس بظاهر ، وسيأتي أن الماء لا ينضاف بعد وصوله إلى العضو والله تعالى أعلم .

                                                                                                                            وقال ابن رشد إن فرائض الوضوء على ثلاثة أقسام : قسم مجمع عليه وهي الأعضاء الأربعة ، وقسم اتفق عليه في المذهب وهو النية والماء المطلق ، وقسم اختلف فيه في المذهب وهو الفور والترتيب .

                                                                                                                            ( قلت ) وما حكاه من الاتفاق على أن النية فرض حكاه ابن حارث وحكى المازري وابن الحاجب فيها الخلاف وسيأتي ، ويزاد في المختلف فيه في المذهب الدلك والجسد الطاهر فتتم الجملة عشرة ، وقدم المصنف الكلام على الأعضاء الأربعة المجمع عليها وعلى ترتيبها في الآية فبدأ بالكلام على غسل الوجه ولم يصرح به اكتفاء بذكر حده عرضا وطولا فقال : فرائض الوضوء غسل ما بين الأذنين ، يعني أن فرائض الوضوء سبع

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية