الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومن باع عبدا له مال . فماله للبائع ، إلا أن يشترط المبتاع ) . بلا نزاع في الجملة . وقياس قول المصنف في مزارع القرية " أو بقرينة " يكون للمبتاع بتلك القرينة . قلت : وهو الصواب واختاره المصنف في شراء الأمة من الغنيمة يتبعها ما عليها مع علمها به ونقل الجماعة عن أحمد : لا يتبعها . وهو المذهب . قوله ( فإن كان قصده المال : اشترط علمه ، وسائر شروط البيع ، وإن لم يكن قصده المال : لم يشترط ) . فظاهر ذلك : أنه سواء قلنا العبد يملك بالتمليك أو لا . وهو اختيار المصنف . وذكره نص الإمام أحمد . واختيار الخرقي . وذكره في المنتخب ، والتلخيص عن أصحابنا . وجزم به في الوجيز . وقدمه في الفروع ، والشرح ، وقدمه في الرعايتين ، والحاويين . نقل صالح ، وأبو الحارث : إذا كان إنما قصد العبد : كان المال تبعا له ، قل أو كثر . واقتصر عليه أبو بكر في زاد المسافر . وقال القاضي : إن قيل العبد يملك بالتمليك : لم تشترط شروط البيع ، وإلا اعتبرت . وقطع به في المجرد . وزاد : إلا إذا كان قصده العبد . قال الزركشي : واعلم أن مذهب الخرقي : أن العبد لا يملك . فكلامه خرج على ذلك . وهو ظاهر كلامه في التعليق وتبعهما أبو البركات [ ص: 82 ] أما إذا قلنا يملك ، فصرح أبو البركات : بأنه يصح شرطه ، وإن كان مجهولا . ولم يعتبر أبو محمد الملك ، بل أناط الحكم بالقصد وعدمه . وزعم أن هذا منصوص الإمام أحمد ، والخرقي . وفي نسبه هذا إليهما نظر . لاحتمال بنائهما على الملك كما تقدم وهو أوفق لكلام الخرقي ولمشهور كلام الإمام أحمد . وحكى أبو محمد عن القاضي : أنه رتب الحكم على الملك وعدمه . فإن قلنا : يملك : لم يشترط . وإن قلنا : لا يملك : اشترط . وحكى صاحب التلخيص عن الأصحاب : أنهم رتبوا الحكم على القصد وعدمه ، كما يقوله أبو محمد . ثم قال : وهذا على القول بأن العبد يملك . أما على القول بأنه لا يملك : فيسقط حكم التبعية ، ويصير كمن باع عبدا ومالا . وهذا عكس طريقة أبي البركات . ثم يلزمه التفريع على الرواية الضعيفة . ويتلخص في المسألة أربعة طرق . انتهى . كلام الزركشي . وقال ابن رجب في فوائده : إذا باع عبدا وله مال . ففيه للأصحاب طرق :

أحدها : البناء على الملك وعدمه . فإن قلنا : يملك ، لم يشترط معرفة المال ، ولا سائر شرائط البيع . لأنه غير داخل في العقد . وإنما اشترط على ملك العبد ليكون عبدا ذا مال . وذلك صفة في العبد لا تفرد بالمعاوضة . فهو كبيع المكاتب الذي له مال . وإن قلنا لا يملك اشتراط معرفة المال . وإن تبعه بغير جنس المال ، أو بجنسه بشرط أن يكون الثمن أكثر على رواية . ويشترط التقابض لأن المال داخل في عقد البيع . وهذه طريقة القاضي في المجرد ، وابن عقيل ، وأبي الخطاب في انتصاره ، وغيرهم . والطريقة الثانية : اعتبار قصد المال أو عدمه لا غير . فإن كان المال مقصودا [ ص: 83 ] للمشتري : اشترط علمه وسائر شروط البيع . وإن كان غير مقصود ، بل قصد المشتري تركه للعبد لينتفع به وحده : لم يشترط ذلك . لأنه تابع غير مقصود . وهذه الطريقة هي المنصوصة عن الإمام أحمد ، وأكثر أصحابه . كالخرقي ، وأبي بكر والقاضي في خلافه ، وكلامه ظاهر في الصحة . وإن قلنا العبد لا يملك . وترجع المسألة على هذه الطريقة إلى بيع ربوي بغير جنسه ، ومعه من جنسه ما هو غير مقصود . ورجح صاحب المغني هذه الطريقة . وقال في القواعد : وأنكر القاضي في المجرد : أن يكون القصد وعدمه معتبرا في صحة العقد في الظاهر . وهو عدول عن قواعد المذهب وأصوله . والطريقة الثالثة : الجمع بين الطريقتين وهي طريقة القاضي في الجامع الكبير وصاحب المحرر ، ومضمونها : أنا إن قلنا العبد يملك : لم يشترط لماله شروط البيع بحال ، وإن قلنا : لا يملك : فإن كان المال مقصودا للمشتري : اشترط له شرائط البيع وإن كان غير مقصود : لم يشترط له ذلك . انتهى .

وذكرها أيضا في القواعد [ وذكر الزركشي أربع طرق ] . قوله ( وإن كانت عليه ثياب . فقال أحمد : ما كان للجمال فهو للبائع ، وما كان للبس المعتاد فهو للمشتري ) . وهو المذهب . وعليه الأصحاب . وتقدم اختيار المصنف فيما إذا اشترى أمة من المغنم . وإذا كان هناك قرينة تدل على أن مراده جميع الثياب .

فائدتان

إحداهما : عذار الفرس ، ومقود الدابة : كثياب العبد ، ويدخل نعلها في بيعها كلبس العبد . قال في الترغيب : وأولى .

الثانية : لو باع العبد وله سرية : لم يفرق بينهما ، كامرأته وهي ملك للسيد . نقله حرب . ذكره في الفروع في أحكام العبد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية