الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما عتق نصيب الأب ) لأنه ملك شقص قريبه وشراؤه إعتاق على ما مر ( ولا ضمان عليه ) علم الآخر أنه ابن شريكه أو لم يعلم ( وكذا إذا ورثاه ، والشريك بالخيار إن شاء أعتق نصيبه وإن شاء استسعى العبد ) وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله . وقالا : في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا ، وإن كان معسرا سعى الابن في نصف قيمته لشريك أبيه ، وعلى هذا الخلاف إذا ملكا ، بهبة أو صدقة أو وصية ، وعلى هذا إذا اشتراه رجلان وأحدهما قد حلف بعتقه إن اشترى نصفه . [ ص: 476 ] لهما أنه أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق لأن شراء القريب إعتاق ، وصار هذا كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق أحدهما نصيبه ، وله أنه رضي بإفساد نصيبه فلا يضمنه ، كما إذا أذن له بإعتاق نصيبه صريحا ، ودلالة ذلك أنه شاركه فيما هو علة العتق وهو الشراء لأن شراء القريب إعتاق حتى يخرج به عن عهدة الكفارة عندنا ، [ ص: 477 ] وهذا ضمان إفساد في ظاهر قولهما حتى يختلف باليسار والإعسار فيسقط بالرضا ، ولا يختلف الجواب بين العلم وعدمه ، وهو ظاهر الرواية عنه لأن الحكم يدار على السبب ، كما إذا قال لغيره : كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر بملكه . .

التالي السابق


( قوله وإذا اشترى الرجلان ابن أحدهما ) بعقد واحد بأن خاطب البائع الأب والآخر معا بأن قال بعتكما هذا العبد بكذا فقبلا ( عتق نصيب الأب لأنه ملك شقصا من ابنه ) فيعتق عليه ثم لا يضمن لشريكه شيئا ، ولو كان موسرا سواء علم الشريك أنه ابن الآخر أو لم يعلم ، ولكن يسعى العبد في نصف قيمته لشريك أبيه إن شاء وإن شاء أعتقه ( وهذا عند أبي حنيفة ) وأجمعوا أنهما لو ورثاه لا يضمن الأب ، وكذا في كل قريب يعتق وهو قول الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله لعدم الصنع منه ولفظ الحديث : أعني قوله عليه الصلاة والسلام { من أعتق شركا له } إلخ يفيد كون العتق اختياريا ( وقال : في الشراء يضمن الأب نصف قيمته إن كان موسرا وإن كان معسرا سعى الابن فيه ، وعلى هذا الخلاف إذا ملكاه بهبة )

معا ( أو صدقة أو وصية وعلى هذا ) الخلاف أيضا ( إذا اشتراه رجلان أحدهما حلف بعتقه إن اشترى نصفه ) أما لو حلف بعتقه إن اشتراه لا يعتق لأنه لم يوجد الشرط وهو [ ص: 476 ] شراء كله ( لهما أنه ) أي الأب ( أبطل نصيب صاحبه بالإعتاق ) الاختياري لترتبه على الشراء وهو اختياري وشراء القريب إعتاق ( وصار كما إذا كان العبد بين أجنبيين فأعتق أحدهما نصيبه ) لاتحاد الجامع وهو وقوع العتق من جهته مختارا فيه .

وله أن شرط التضمين مع العتق الاختياري أن لا يكون برضا من له حق التضمين ، ولما باشر العقد معه مختارا وهو علة الملك الذي هو علة العتق ، والحكم يضاف إلى علة العلة كما يضاف إلى العلة كان راضيا بإفساد نصيب نفسه فلا يضمنه ، فصار كما إذا أذن له بإعتاقه صريحا . وعلم مما ذكر أن المراد من العلة في قوله شاركه فيما هو علة العتق علة العلة ، والدليل على أن إعتاقه يثبت اختياريا بالشراء أنه يخرج به عن عهدة الكفارة إذا نوى بالشراء عتقه عنها .

وهذا بخلاف ما لو قال أحد الشريكين للآخر إن ضربته فهو حر فضربه عتق نصيبه ، فإن له أن يضمنه ، ولم يعتبر رضاه بمباشرته شرط العتق رضا بالعتق ; لأن وجود الشرط ليس علة الوقوع بل العلة هي قول الشريك هو حر الواقع جزاء للشرط ، بخلاف قبول الإيجاب في البيع لأنه مباشرة العلة لأن العلة هو العقد ، وكل من باشره فهو مباشر علة العتق . ولو قيل سلمنا أنه ليس بعلة أليس أنه يفيد رضاه بوقوع الجزاء والمدار هو وجود دلالة الرضا . قلنا : لا شك أن له تأديب عبده إذا اقتضاه حاله ، ومنعه منه ضرر لا يلزمه بإلزامه إياه ، فحلفه عليه أن لا يضربه ظلم منه ، فلا يصح أن يقال : إن لم يلتزمه يبطل حقه في التضمين لكنه يقتضي أنه لو قال : إن ضربت هذا العبد اليوم ظلما فهو حر فضربه حتى عتق ليس له تضمينه ، وإطلاق الجواب بخلافه .

وأما ما أورد من منع أن مباشرته للعقد رضا لأنه ضرر والعاقل لا يرضى به ولأن وضعه لإثبات ملكه لا لزواله فمدفوع بالضرورة ، لأن من علم أن عند فعل كذا يثبت كذا ثم فعله مختارا جزم العقل بأنه رضا منه بما يترتب عليه ، وتحقيق الملك قد يكون الغرض منه إثبات ما يترتب عليه ، وللعاقل في ذلك أغراض صحيحة دنيوية من استفادة المدح والولاء ، وقد تكون قيمته أكثر من الثمن وأخروية من الأجر . لا يقال : رضا الأب بالشراء رضا بالإعتاق والرضا بالإعتاق رضا بالضمان . وأبو حنيفة رحمه الله يثبته إذا كان المعتق موسرا واختار الساكت التضمين فكيف ينفيه ؟ لأنا نقول : كونه رضا بالضمان لا يوجب إمكان تضمين الآخر له ، إلا إذا لم [ ص: 477 ] يكن رضا بإعتاقه كما ذكرنا . وأما إيراده على قولهما هكذا الإعتاق لا يتجزأ على قولهما فإعتاق البعض إعتاق الكل ، ولا يمكن إعتاق الكل إلا بتملك نصيب الآخر ، ولا يملك إلا بالضمان . والجواب أنه تملك ضمني فلا توجه له هنا .

( قوله وهذا ضمان إفساد ) جواب عما يقال كونه رضي بإعتاق شريكه لا يوجب إسقاط الضمان كما لو استولد الأمة بإذن الشريك يصح ويجب الضمان فقال ذلك في ضمان التملك وما نحن فيه ضمان إفساد ، وبسطه أن الضمان في العتق ضمانان ضمان تملك ولا يسقطه الرضا بسببه وذلك ضمان الاستيلاد ، فلو استولد أحد الشريكين الجارية بإذن شريكه لا يسقط ضمانها له ، ومن حكم ضمان التملك أيضا أنه يثبت مع اليسار والإعسار ، وإنما جعلنا ضمان الاستيلاد ضمان تملك لأن وضع الاستيلاد لطلب الولد وهو يستدعي التملك فأثبتناه .

وضمان إتلاف وهو ضمان الإعتاق ، ويقال ضمان جناية وليس بصواب لأنه لا جناية في عتق الإنسان ما يملكه لله سبحانه وتعالى حتى يثاب عليه ثم يفسد به نصيب الشريك ، فصح أن يقال ضمان إتلاف وضمان إفساد وإن لم يكن عليه إثم في هذا الإفساد نعم لو قصد بعتقه قصدا فاسدا أثم به أما وضع العتق فليس مقتضيا لزومه ، ثم كون ضمان الإعتاق ضمان إتلاف هو ظاهر الرواية عن علمائنا ويختلف باليسار والإعسار بالنص ، بخلاف القياس ، ولا يختلف الجواب بين علم الشريك بالإبنية وعدمها .

وروي عن أبي يوسف أنه ضمان تملك فلا يختلف باليسار والإعسار . وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه فصل بين كون الشريك عالما بالإبنية فلا يضمن الأب أو غير عالم فنضمنه ، لأن رضاه لا يتحقق إذا لم يكن عالما . وفي ظاهر الرواية لا فرق بينهما لأن المسقط لحقه في التضمين مباشرته لسبب إسقاطه فلا يختلف بعلمه وجهله ، كما إذا أطعم الغاصب المغصوب للمغصوب منه وهو لا يعلم أنه ماله سقط تضمينه الغاصب . والنظير المذكور في الكتاب ما إذا قال لغيره كل هذا الطعام وهو مملوك للآمر ولا يعلم الآمر به فإنه ليس له أن يضمن الآكل إذا علم مستقيم أيضا ، وإنما قلنا على خلاف القياس لأن القياس أن لا يختلف ضمان الإتلاف باليسار والإعسار ، ألا يرى أن من أتلف مال غيره لا يتقيد ضمانه بكونه موسرا .

فإن قلت : قد أسلفت أن القياس ليس إلا الاستسعاء لأن العبد هو محتبس حق الساكت والمذكور هنا أن القياس هو [ ص: 478 ] التضمين للإتلاف . قلنا : قد حكي خلاف في القياس ما هو على الوجهين المذكورين للوجهين المذكورين ، ولا شك أن كون القياس الاستسعاء هو أقرب القياسين لما ذكرنا من الاحتباس عند العبد وعدم جناية المعتق ولذا يثاب عليه ، وكل منهما غير صحيح في نفس الأمر لفرض ورود النص على خلاف إطلاق مقتضاهما من الاستسعاء وإنما التضمين دائما . وكل قياس خالفه النص فهو باطل سواء ظهر للمجتهد القياس الصحيح الموافق للنص أو خفي عليه .

والقياس الصحيح هنا هو على من شرع في صوم التطوع أو صلاته قادرا على إتمامه حيث يجب عليه إتمامه ، فإن لم يقدر لم يجب ووجب له أجر قدر عمله وتقدم تقريره فارجع إليه .




الخدمات العلمية