الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : ولو أعطى كل مسكين مدا من بر ومدين من شعير أو تمر أجزأه ; لأن كل واحد منهما أصل ، والمقصود يحصل بأداء نصف الواجب من كل صنف ، وهو زوال حاجته في يومه . ولو أطعم الطعام كله مسكينا واحدا لم يجزه في دفعة واحدة ; لأن الواجب تفريق الفعل بالنص فإذا جمع لا يجزيه إلا عن واحد ، كالحاج إذا رمى الحصيات السبع دفعة واحدة ، ولو أعطاه في ستين يوما أجزأه عندنا ، ولا يجزئه عند الشافعي رحمه الله تعالى ; لأن الواجب عليه بالنص إطعام ستين مسكينا ، والمسكين الواحد بتكرار الأيام لا يصير ستين مسكينا فلا يتأدى الواجب بالصرف إليه وشبه هذا بالشهادة ، فإن الشاهد الواحد وإن كرر شهادته في مجلسين لا يصير في معنى شاهدين . ولكنا نقول فيما هو المقصود المسكين الواحد بتجدد الأيام في معنى المساكين ; لأن المقصود سد الخلة ، وذلك يتجدد له بتجدد الأيام فكان هو في اليوم الثاني في المعنى مسكينا آخر لتجدد سبب الاستحقاق له ; ولأن الإطعام يقتضي طعاما لا محالة فمعنى الآية فالطعام طعام ستين مسكينا وقد أدى ذلك ، وبه فارق الشهادة ; لأن المقصود طمأنينة القلب هناك ، وبتكرار الواحد شهادته لا يحصل هذا المقصود ، ولم يذكر ما لو فرق الفعل في يوم واحد ، ولا إشكال في طعام الإباحة أنه لا يجوز ، إلا بتجدد الأيام ; لأن الواحد لا يستوفي في يوم واحد طعام ستين مسكينا .

فأما في التمليك فقد قال بعض مشايخنا - رحمهم الله تعالى - : يجوز ; لأن التمليك أقيم مقام حقيقة الإطعام ، والحاجة بطريق التمليك ليس لها نهاية ، فإذا فرق الدفعات جاز ذلك في يوم واحد كما في الأيام واستدلوا على هذا بما ذكر في كتاب الإيمان : أنه لو كسا مسكينا واحدا في عشرة أيام كسوة عشرة مساكين أجزأه لتفرق الفعل ، وإن انعدم تجدد الحاجة في كل يوم . والدليل عليه أنه بعد ما أخذ وظيفته في ذلك اليوم لو صرف إليه رجل آخر طعام مسكين عن كفارته يجوز ذلك ، فكذلك إذا صرف إليه ذلك الرجل طعام مسكين ، آخر ; وبعضهم [ ص: 18 ] قالوا لا يجوز ; لأن المعتبر سد الخلة ، ولهذا لا يجوز صرفه إلى الغني ; لأنه طاعم بملكه ، وإطعام الطاعم لا يتحقق كما أن التمليك من المالك لا يتحقق ، وبعد ما استوفى وظيفته في هذا اليوم لا يحصل سد خلته بصرف وظيفة أخرى في هذا اليوم إليه بخلاف كفارة أخرى ; لأن المستوفي في حكم تلك الكفارة كالمعدوم ، ولا يمكن أن يجعل مثله في حق هذه الكفارة وبخلاف الثوب ; لأن تجدد الحاجة إليه يختلف باختلاف أحوال الناس فيه ، فلا يمكن تعليق الحكم بعينه ; لتعذر الوقوف عليه فيقام تجدد الأيام فيه مقام تجدد الحاجة تيسيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية