الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون

                                                                                                                                                                                                                                      قال بل فعله كبيرهم هذا مشيرا إلى الذي لم يكسره سلك عليه السلام مسلكا تعريضيا يؤديه إلى مقصده الذي هو إلزامهم الحجة على ألطف وجه وأحسنه بحملهم على التأمل في شأن آلهتهم مع ما فيه من التوقي من الكذب ، حيث أبرز الكبير قولا في معرض المباشر للفعل بإسناده إليه ، كما أبرزه في ذلك [ ص: 75 ] المعرض فعلا يجعل الفأس في عنقه ، وقد قصد إسناده إليه بطريق التسبيب ، حيث كانت تلك الأصنام غاظته عليه السلام حين أبصرها مصطفة مرتبة للعبادة من دون الله سبحانه وكان غيظ كبيرهم أكبر وأشد حسب زيادة تعظيمهم له ، فأسند الفعل إليه باعتبار أنه الحامل عليه . وقيل : هو حكاية لما يقود إلى تجويزه مذهبهم ، كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم ، فإن من حق من يعبد ويدعى إلها أن يقدر على ما هو أشد من ذلك . ويحكى أنه عليه السلام قال : فعله كبيرهم هذا غضب أن تعبد معه هذه الصغار وهو أكبر منها ، فيكون تمثيلا أراد به عليه السلام تنبيههم على غضب الله تعالى عليهم لإشراكهم بعبادته الأصنام . وأما ما قيل من أنه عليه السلام لم يقصد نسبة الفعل الصادر عنه إلى الضم بل إنما قصد تقريره لنفسه وإثباته لها على أسلوب تعريضي يبلغ فيه غرضه من إلزامهم الحجة وتبكيتهم ، ومثل لذلك بما لو قال لك أمي فيما كتبته بخط رشيق وأنت شهير بحسن الخط : أأنت كتبت هذا ؟ فقلت له : بل أنت كتبته ، كان قصدك تقرير الكتابة لنفسك مع الاستهزاء بالسائل نفيها عنك وإثباتها له فبمعزل من التحقيق ، لأن خلاصة المعنى في المثال المذكور مجرد تقرير الكتابة لنفسك وإدعاء ظهور الأمر مع الاستهزاء بالسائل وتجهيله في السؤال لابتنائه على أن صدورها عن غيرك محتمل عنده مع استحالته عندك ، ولا ريب في أن مراده عليه السلام من اسناد الكسر إلى الصنم ليس مجرد تقريره لنفسه ولا تجهيلهم في سؤالهم لابتنائه على احتمال صدوره عن الغير عندهم ، بل إنما مراده عليه السلام توجيههم نحو التأمل في أحوال أصنامهم كما ينبئ عنه قوله : فاسألوهم إن كانوا ينطقون أي : إن كانوا ممن يمكن أن ينطقوا ، وإنما لم يقل عليه السلام إن كانوا يسمعون أو يعقلون مع أن السؤال موقوف على السمع والعقل أيضا ، لما أن نتيجة السؤال هو الجواب وأن عدم نطقهم أظهر وتبكيتهم بذلك أدخل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية