الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل ومن خرج لسفر ولم يكن صلى الظهر والعصر وقد بقي للغروب ثلاث ركعات صلاهما سفريتين

                                                                                                                                                                                        ومن خرج لسفر ولم يكن صلى الظهر ولا العصر وقد بقي لغروب الشمس مقدار ثلاث ركعات - صلاهما سفريتين، فإن بقي مقدار ركعة أو ركعتين صلى الظهر حضرية; لأنه سافر بعدما خرج وقتها، والعصر سفرية; لأنه خرج في وقتها.

                                                                                                                                                                                        ويختلف هل يبتدئ بالظهر، وإن كان فيها قاضيا؟ أو بالعصر; لأنه فيها مؤد؟ وإن قدم من سفره وقد بقي للغروب خمس ركعات صلاهما [ ص: 475 ] حضريتين، وإن كان مقدار ركعة إلى أربع صلى الظهر سفرية والعصر حضرية، إلا أن ها هنا يبتدئ بالظهر إذا بقي للغروب أربع ركعات، أو ثلاث; لأنه إذا بدأ بالظهر وهي ركعتان بقي وقت العصر ركعة أو ركعتان، فإن كان الذي بقي للغروب مقدار ركعة أو ركعتين جرت على القولين هل يبتدئ بالظهر أو بالعصر؟

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا خرج لمقدار ركعتين وقد صلى العصر ونسي الظهر، هل يصلي الظهر سفرية أو حضرية؟ وأن يصليها حضرية أحسن، ولا مشاركة للظهر مع العصر حينئذ.

                                                                                                                                                                                        واختلف أيضا في مشاركة العصر للظهر عند الزوال، فقيل: إذا زالت الشمس اختص ذلك الوقت بالظهر، فمن صلى العصر حينئذ قبل الظهر كان بمنزلة من صلى الظهر قبل الزوال: يعيد وإن ذهب الوقت، وقيل: ذلك وقت مشترك لهما، والإعادة ما كان في الوقت.

                                                                                                                                                                                        والقول الأول أصوب; فالزوال يختص بالظهر، أربع ركعات للمقيم، وركعتان للمسافر، وكذلك آخر النهار يختص بالعصر، أربع ركعات للمقيم، وركعتان للمسافر; لأن الزوال وقت للظهر بإجماع، وجاءت السنة بمشاركة العصر في السفر وما أشبه ذلك أن يصلي بعد الظهر، فاتبع ذلك على ما جاءت به السنة والآثار.

                                                                                                                                                                                        ولم يأت في حديث ولا غيره أن العصر صليت قبل الظهر، وكذلك عند الغروب جاءت السنة أن آخر الوقت للعصر; لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "...من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر".

                                                                                                                                                                                        وقاس العلماء مشاركة الظهر لها فيما قبل ذلك قياسا على مشاركة العصر للظهر، ولم تأت سنة ولا إجماع بأن آخر [ ص: 476 ] قبل ذلك قياسا على مشاركة العصر للظهر، ولم تأت سنة ولا إجماع بأن آخر الوقت يكون وقتا للظهر، فوجب أن يبقى للعصر خاصة.

                                                                                                                                                                                        وإن خرج مسافر في آخر الليل ولم يكن صلى المغرب ولا العشاء، أو قدم من سفر في آخر الليل ولم يكن صلاهما - فإن المعتبر مقدار ركعة لطلوع الفجر لا غير ذلك، فإن بقي لمن خرج مقدار ركعة - صلى العشاء سفرية، وإن قدم لمقدار ركعة صلاها حضرية; لأن المغرب لا يتغير حكمها لمسافر ولا لمقيم، وإنما يفترق الجواب في العشاء ولها آخر الوقت، ويفترق الجواب أيضا بماذا يبتدئ؟ فإن بقي مقدار ما يصلي أربع ركعات بدأ بالمغرب، وإن بقي مقدار ركعتين أو ثلاث - دخل الخلاف المتقدم; لأنه إن بدأ بالمغرب صار قاضيا للعشاء، ومذهب ابن وهب أنه يبتدئ بالتي حضر وقتها على القضاء. وأرى أن يبتدئ بالمغرب إذا بقي مقدار ثلاث ركعات; لأنه إن بدأ بالعشاء بقي مقدار ركعة.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية