الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون الإشارة في قوله تلك آيات الكتاب المبين على نحو الإشارة في نظيره في سورة الشعراء . فالمشار إليه ما هو مقروء يوم نزول هذه الآية من القرآن تنويها بشأن القرآن وأنه شأن عظيم .

وجملة نتلو عليك من نبإ موسى مستأنفة استئنافا ابتدائيا .

[ ص: 64 ] ومهد لنبإ موسى وفرعون بقوله " نتلو عليك " للتشويق لهذا النبإ لما فيه من شتى العبر بعظيم تصرف الله في خلقه .

والتلاوة : القراءة لكلام مكتوب أو محفوظ كما قال تعالى وأن أتلو القرآن ، وهو يتعدى إلى من تبلغ إليه التلاوة بحرف ( على ) وتقدمت عند قوله واتبعوا ما تتلو الشياطين في البقرة ، وقوله " وإذا تليت عليهم آياته " في سورة الأنفال .

وإسناد التلاوة إلى الله إسناد مجازي ؛ لأنه الذي يأمر بتلاوة ما يوحى إليه من الكلام والذي يتلو حقيقة هو جبريل بأمر من الله ، وهذا كقوله تعالى تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق في سورة البقرة .

وجعلت التلاوة على النبيء صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه الذي يتلقى ذلك المتلو . وعبر عن هذا الخبر بالنبإ لإفادة أنه خبر ذو شأن وأهمية .

واللام في " لقوم يؤمنون " لام التعليل ، أي نتلو عليك لأجل قوم يؤمنون فكانت الغاية من تلاوة النبإ على النبيء صلى الله عليه وسلم هي أن ينتفع بذلك قوم يؤمنون فالنبيء يبلغ ذلك للمؤمنين ، فإن كان فريق من المؤمنين سألوا أو تشوفوا إلى تفصيل ما جاء من قصة موسى وفرعون في سورة الشعراء وسورة النمل وهو الظاهر ، فتخصيصهم بالتعليل واضح وانتفاع النبيء صلى الله عليه وسلم بذلك معهم أجدر وأقوى ، فلذلك لم يتعرض له بالذكر اجتزاء بدلالة الفحوى ؛ لأن المقام لإفادة من سأل وغيرهم غير ملتفت إليه في هذا المقام .

وإن لم يكن نزول هذه القصة عن تشوف من المسلمين فتخصيص المؤمنين بالتلاوة لأجلهم تنويه بأنهم الذين ينتفعون بالعبر والمواعظ ؛ لأنهم بإيمانهم أصبحوا متطلبين للعلم والحكمة متشوفين لأمثال هذه القصص النافعة ليزدادوا بذلك يقينا . وحصول ازدياد العلم للنبيء صلى الله عليه وسلم بذلك معلوم من كونه هو المتلقي والمبلغ ليتذكر من ذلك ما علمه من قبل ويزداد علما بما عسى أن لا يكون قد علمه ، وفي ذلك تثبيت فؤاده كما قال تعالى وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما [ ص: 65 ] نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين .

فالمراد " بقوم يؤمنون " قوم الإيمان شأنهم وسجيتهم . وللإشارة إلى معنى تمكن الإيمان من نفوسهم أجري وصف الإيمان على كلمة قوم ليفيد أن كونهم مؤمنين هو من مقومات قوميتهم كما قدمناه غير مرة . فالمراد : المتلبسون بالإيمان . وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أن إيمانهم موجود في الحال ومستمر متجدد .

وفي هذا إعراض عن العبء بالمشركين في سوق هذه القصة بما يقصد فيها من العبرة والموعظة فإنهم لم ينتفعوا بذلك وإنما انتفع بها من آمن ومن سيؤمن بعد سماعها .

والباء في قوله بالحق للملابسة ، وهو حال من ضمير " نتلو " ، أو صفة للتلاوة المستفادة من " نتلو " .

والحق : الصدق ؛ لأن الصدق حق إذ الحق هو ما يحق له أن يثبت عند أهل العقول السليمة والأديان القويمة .

ومفعول " نتلو " محذوف دل عليه صفته وهي من نبإ موسى وفرعون . فالتقدير : نتلو عليك كلاما من نبإ موسى وفرعون .

و " من " تبعيضية فإن المتلو في هذه السورة بعض قصة موسى وفرعون في الواقع ألا ترى أنه قد ذكرت في القرآن أشياء من قصة موسى لم تذكر هنا مثل ذكر آية الطوفان والجراد .

وجعل الزمخشري " من " اسما بمعنى ( بعض ) فجعلها مفعول " نتلو " . وجعل الأخفش " من " زائدة ؛ لأنه يرى أن " من " تزاد في الإثبات ، فجعل " نبإ " موسى هو المفعول جر بحرف الجر الزائدة .

والنبأ : الخبر المهم العظيم .

التالي السابق


الخدمات العلمية