الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم

                                                                                                                                                                                                                                      فجعل الله تعالى ببركة قوله الحظيرة روضة ، وذلك قوله تعالى : قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم أي : كوني ذات برد وسلام ، أي ابردي بردا غير ضار . وفيه مبالغات ، جعل النار المسخرة لقدرته تعالى مأمورة مطاوعة ، وإقامة كوني ذات برد مقام ابردي ثم حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ، وقيل : نصب "سلاما" بفعله ، أي : وسلمنا سلاما عليه . روي أن الملائكة أخذوا بضبعي إبراهيم وأقعدوه على الأرض ، فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس ولم تحرق النار إلا وثاقه . وروي أنه عليه السلام مكث فيها أربعين يوما أو خمسين ، وقال : ما كنت أطيب عيشا مني إذ كنت فيها . قال ابن يسار : وبعث الله تعالى ملك الظل فقعد إلى جنبه يؤنسه فنظر نمرود من صرحه فأشرف عليه فرآه جالسا في روضة مونقة ومعه جليس على أحسن ما يكون من الهيئة [ ص: 77 ] والنار محيطة به ، فناداه يا إبراهيم هل تسطيع أن تخرج منها ؟ قال : نعم ، قال : فقم فاخرج ، فقام يمشي فخرج منها ، فاستقبله نمرود وعظمه ، وقال : من الرجل الذي رأيته معك ؟ قال : ذلك ملك الظل أرسله ربي ليؤنسني ، فقال : إني مقرب إلى أهلك قربانا لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك ، فقال عليه السلام : لا يقبل الله منك ما دمت على دينك هذا ، قال : لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبح له أربعة آلاف بقرة فذبحها وكف عن إبراهيم عليه السلام ، وكان إذ ذاك ابن ست عشرة سنة . وهذا كما ترى من أبدع المعجزات ، فإن انقلاب النار هواء طيبا وإن لم يكن بدعا من قدرة الله عز وجل لكن وقوع ذلك على هذه الهيئة مما يخرق العادات .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية