الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مع ولاية الصاحب سعد الدين ماجد بن التاج إسحاق من الديار المصرية على نظر الدواوين بالشام المحروس ، وربما خوطب بالوزارة عوضا عن البدر حسن بن النابلسي الذي كان ناظر الدواوين قبله ، ففرح الناس بولاية هذا وقدومه ، وبعزل الأول وانصرافه عن البلد فرحا شديدا ، ومعه مرسوم شريف بوضع نصف [ ص: 671 ] مكس الغنم ، وكان عبرته أربعة دراهم ، ونصفا ، فصار إلى درهمين وربع درهم ، وقد نودي بذلك في البلد يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الآخر ، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ، ولله الحمد والمنة ، وتضاعفت أدعيتهم لمن كان السبب في ذلك ، وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس ، ويأخذ الديوان نظير ما كان يؤخذ قبل ذلك ، وقدر الله تعالى قدوم وفود وقفول بتجائر متعددة ، وأخذ منها الديوان السلطاني في الزكاة والوكالة ، وقدم مواكب كثيرة ، فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس ، ولله الحمد والمنة ، ثم قرئ على الناس بعد صلاة الجمعة قبل العصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين العشرين منه ضرب الفقيه شمس الدين الصفدي بدار السعادة بسبب خانقاه الطواويس ، فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ ، وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف مما فيه مشقة عليهم ، فتكلم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ ، فبطح ليضرب ، فشفع فيه ، ثم تكلم فشفع فيه ، ثم بطح الثالثة فضرب ، ثم أمر به إلى السجن ، ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين منه درس قاضي القضاة الشافعي بمدارسه ، وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر ، وحضر عنده جماعة من الأعيان [ ص: 672 ] وبعض القضاة ، وأخذ في سورة الفتح ، قرئ عليه من تفسير والده في قوله : إنا فتحنا لك فتحا مبينا [ الفتح : 1 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مستهل جمادى الأولى يوم الجمعة بعد صلاة الفجر - مع الإمام الكبير - صلي على القاضي قطب الدين محمد بن المحسن الحاكم بحمص ، جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي ، فتمرض مدة ثم كانت وفاته بدمشق ، فصلي عليه بالجامع كما ذكرنا ، وخارج باب الفرج ، ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون ، وقد جاوز الثمانين بسنتين ، وقد حدث وروى شيئا يسيرا ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأحد قدم قاضيا قضاة الحنفية والحنابلة بحلب ، والخطيب بها ، والشيخ شهاب الدين الأذرعي ، والشيخ زين الدين الباريني ، وآخرون معهم ، فنزلوا بالمدرسة الإقبالية ، وهم وقاضي قضاتهم الشافعي - وهو كمال الدين المصري - مطلوبون إلى الديار المصرية ، فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم ، وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر ، وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس قدم الأمير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل ، وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق ، ونزل بدار الذهب ، وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة [ ص: 673 ] القلعة على عادته ، وهذه ثالث مرة وليها; لأنه مشكور السيرة فيها ، وله فيها سعي محمود في أوقات متعددة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس حادي عشره صلى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي ، وكاتب السر ، وجماعة من الأمراء ، والأعيان - بالمقصورة ، وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين ، فتضاعفت الأدعية لولي الأمر ، ولمن كان السبب في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية