الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 488 ] غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات منفعة البيع والسعاية بعد الموت ، بخلاف المدبر لأن الفائت منفعة البيع ، أما السعاية والاستخدام باقيان . ولأبي حنيفة رحمه الله أن التقوم بالإحراز وهي محرزة للنسب لا للتقوم والإحراز للتقوم تابع ، ولهذا لا تسعى لغريم ولا لوارث بخلاف المدبر ، [ ص: 489 ] وهذا لأن السبب فيها متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد على ما عرف في حرمة المصاهرة ، إلا أنه لم يظهر عمله في حق الملك ضرورة الانتفاع فعمل السبب في إسقاط التقوم ، وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت ، وامتناع البيع فيه لتحقيق مقصوده فافترقا . وفي أم ولد النصراني قضينا بتكاتبها عليه دفعا للضرر عن الجانبين ، وبدل الكتابة لا يفتقر وجوبه إلى التقوم .

التالي السابق


( قوله غير أن قيمتها ثلث قيمتها قنة على ما قالوا لفوات ) منفعتين ( منفعة البيع والسعاية بعد الموت ) والباقي منفعة من ثلاث فحصتها ثلث القيمة ( بخلاف المدبر فإن الفائت منفعة البيع ) فقط لأنه يسعى بعد الموت إذا لم يخرج من الثلث بعد قضاء الدين ويستخدم فكانت قيمته ثلثي قيمته قنا . وقوله على ما قالوا يفيد الخلاف ، وقد بيناه في الكلام على قيمة المدبر في المسألة عبد بين ثلاثة نفر دبره أحدهم وأعتقه الآخر وسكت الآخر ( قوله ولأبي حنيفة ) الحاصل أن ما ذكر من اللوازم إنما هي لوازم الملك بعضها أعم منه يثبت مع غيره كالوطء والاستخدام والإجارة ، فإن الوطء يثبت ولا ملك له في المنكوحة والاستخدام والإجارة تثبت بالإجارة واللازم الخاص هو ملك الكسب ، ولا كلام في ملك الرقبة إنما الكلام في التقوم والمالية ، والتقوم يثبت بالإحراز على قصد التمول حتى لا يكون العبد قبل الإحراز مالا متقوما لا بالملك وإن ثبت معه ، والآدمي وإن صار مالا متقوما بعد أن لم يكن في الأصل مالا لأنه خلق لأن يكون مالكا للمال ولكن ذلك إذا أحرز للتمول ، وأم الولد إذا أحرزها واستولدها كان إحرازه لها للنسب لا للتمول ، وإن كان أول تملكها كان للتمول ، لكن عندما استولدها تحول صفتها عن المالية إلى ملك مجرد عنها فصارت محرزة لما ذكرناه .

وهذه المقدمة تقبل المنع : أعني انتفاء صفة المالية والتقوم بالإحراز للنسب بأن يقال : لا نسلم الملازمة بين الإحراز للنسب وانتفاء التقوم وجوابه أنه وإن لم ينافه لكنه تابع فصار الإحراز في حق التقوم كالمنتفي ، ويدل على ذلك ثبوت لوازم الانتفاء شرعا وهو عدم سعايتها لغريم أو وارث وإن لم تخرج من الثلث أو لا مال له سواها وعليه ديون ، وإن ما كان مالا متقوما في حياته يتعلق به حق ورثته وغرمائه ولو في بعض الصور ، كالمدبر لما لم يخرج من الثلث أو خرج والتركة مستغرقة تعلق به فيظهر أنه يعتبر حالة الحياة مالا غير أنه موصى به وإذا لم يمكن اعتبار صحة الوصية فيه لما ذكرنا بطلت فسعى في قيمته فظهر الفرق بين المدبر المقيس عليه وأم الولد ، وحيث ثبت التقوم في المدبر ورد عليه لو كان متقوما جاز بيعه ، فأجاب عنه بأن عدم جواز بيعه لتحقق مقصود المدبر من نيله ثواب عتقه بعد موته .

والجواب عن إلزام التقوم بأم ولد النصراني بمنع تقومها ، وإلزام السعاية فيها ليس لذلك بل للضرورة إذ لا يمكن بقاؤها مسلمة مملوكة له ولا إخراجها عن ملكه مجانا وهو ملك صحيح فأنزلت مكاتبة عليه على قيمتها . ونقول : لا يفتقر بدل الكتابة إلى التقوم لأنه في أصله بمقابلة ما ليس بمتقوم وهو فك الحجر ولو سلم ، فالأمور الضرورية لا يقاس عليها ما ليس في محلها من تلك الضرورة ، أو نقول : هو يعتقد المالية فيها وجواز بيعها ، والحكم المتعلق بهم يبتنى [ ص: 489 ] على اعتقادهم كما في مالية الخمر ، أو أن ملكه لما احتبس عندها لمعنى من جهتها كان مضمونا عليها وإن لم يكن متقوما ، كالقصاص إذا احتبس نصيب أحد الشريكين عند القاتل بعفو الآخر يلزمه بدله . وبهذا تم الوجه لأبي حنيفة .

وأما قوله في الكتاب ( وهذا لأن السبب فيها ) أي في أم الولد ( متحقق في الحال وهو الجزئية الثابتة بواسطة الولد ) فغير متوقف عليه الإثبات ، إذ قد ثبت شرعا بما ذكرنا عدم تقومها ، وإنما هو بيان حكمة شرعية . عدم تقومها : يعني أن حكمة إسقاط الشرع تقومها ثبوت الجزئية بينها وبين مولاها الحر إلى آخر ما ذكر في المصاهرة كما أشار إليه عمر حيث قال : كيف تبيعوهن وقد اختلطت لحومهن بلحومكم ودماؤهن بدمائكم ؟ فلثبوت ذلك ثبت عدم المالية والتقوم ، وكان مقتضاه أن تنجز حريتها لكن انعقد الإجماع على عدمه فبقي فيما سواه وهو عدم التقوم لعدم الإجماع عليه ، وكذا يدل على عدم التقوم قوله عليه الصلاة والسلام { أعتقها ولدها } بهذا الطريق ، وهو أنه يدل على تنجز العتق ، لكن الإجماع على أن المراد أثبت لها الولد حق الحرية فبقي فيما سوى حقيقة العتق معمولا به ومنه سقوط التقوم . فإن قيل : فالتدبير أيضا كذلك : أي سبب في الحال للعتق لما ذكر في بابه فيجب أن ينتفي تقوم المدبر على وزن انتفائه بسبب أمومية الولد . فالجواب أن ثبوت سببية التدبير في الحال على خلاف القياس في سائر التعليقات لضرورة هي أن تأخيره كغيره من التعليقات يوجب بطلانه ، لأن ما بعد الموت زمان زوال أهلية التصرف فلا يتأخر سببية كلامه إليه فيتقدر بقدر الضرورة فيظهر أثره في حرمة البيع خاصة لا في سقوط التقوم بل يبقى في حق سقوط التقوم على الأصل : يعني فتتأخر سببيته لسقوط التقوم [ ص: 490 ] إلى ما بعد الموت ، وعلى هذا يحمل قول المصنف : وفي المدبر ينعقد السبب بعد الموت ويندفع عنه إلزام التناقض وذلك أن كلامه في سقوط التقوم لأم الولد فحاصل كلامه أن سبب سقوط التقوم في أم الولد ثابت في الحال ، وسبب سقوطه في المدبر متأخر إلى ما بعد الموت كما بينا .




الخدمات العلمية