الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                            مواهب الجليل في شرح مختصر خليل

                                                                                                                            الحطاب - محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى

                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            وفهم من قول المصنف ولم يشهد أنه لو أشهد نفعه ذلك وإن طال الزمان وظاهره سواء أشهد على العارية أو على أصل العارية وهو كذلك على المشهور وهو ظاهر إطلاق كلامه في التوضيح أيضا ونصه : لو أشهد أن الذي شور ابنته به إنما هو على وجه العارية نفعه ذلك وله أن يسترده متى شاء ولو طال ذلك انتهى . ومقابل المشهور قول الدمياطية المتقدم قال ابن رشد إثر كلامه المتقدم : وفي الدمياطية لابن القاسم أن الأب إنما يصدق فيما [ ص: 528 ] ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية لها وإن كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل العارية بينة ، والمشهور ما تقدم في المسألة قبل هذه أنه مصدق إذا أشهد على العارية وإن طال الأمر إذا كان فيما بقي وفاء بالمهر وإن لم يكن فيما بقي وفاء به صدق فيما زاد على قدر الوفاء به انتهى كلام ابن رشد ، والفرق بين الإشهاد على العارية والإشهاد على أصل العارية أن الإشهاد على العارية لا يشترط فيه علم الابنة بالإشهاد بل إذا أشهد الأب بالعارية فقط نفعه ذلك علمت الابنة به أم لا ، والإشهاد على أصل العارية هو الإشهاد على الابنة بالعارية

                                                                                                                            ويتضح لك ذلك بالوقوف على المسألة التي أشار إليها ابن رشد وكلامه عليها ونصها قال أصبغ : سئل ابن القاسم عن الرجل يزوج ابنته ويخرج جهازا وشوارا فيقول : أشهدكم أن هذا عارية في يد ابنتي ولم يروا البنت ولم تحضر فطلب الأب المتاع والشورة بعد ذلك فلم يقدر عليه عند ابنته وقد شهد الشهود أنه أدخله بيت زوجها فقال : إن كانت بكرا وقد علمت بالعارية فلا ضمان عليها إلا أن يكون هلاكه يوم هلك بعد أن رضي حالها فهي ضامنة له إلا أن يكون طرقها من ذلك أمر من الله عز وجل تقيم عليه بينة وإن لم تكن علمت بذلك فلا شيء لها أصلا وإن حسنت حالها أو كانت ثيبا فعلمت بذلك فهي ضامنة له وإن لم تعلم فلا ضمان على واحد منهما البكر والثيب فيما لم تعلم ولم تقبله على وجه العارية ، وقاله أصبغ : ولا شيء على الزوج في هذا كله إذا لم يستهلك هو شيئا من ذلك استهلاكا وهذا فيما يفضل عن صداقها وجهازها مما لم تجهز به من صداقها ولا عطية أبيها لها ، قال ابن رشد قوله " إنه لا ضمان على الابنة فيما جهزها به الأب من المتاع وأشهد أنه عارية عندها إذا لم تعلم بالإشهاد ولم تقبله على وجه العارية صحيح إذ ليس لأحد أن يضمن أحدا ضمان ما لم يلتزم ضمانه وحسبه أن ينفعه الإشهاد في استرجاع متاعه وإن طال زمان ذلك عند الابنة انتهى وبالله التوفيق . ونقله ابن عرفة وقال البرزلي ولابن فتحون في وثائقه إذا ساق سوى نقدها من أسباب وأورده فلا يخلو إما أن يصرح بالهبة أو العارية أو يسكت فالأول لا فقال له في استرجاعه لملكه والثاني له أن يسترجعه متى شاء طال الزمان أو قصر فإن أتلفته في هذا القسم في حال سفهها فلا ضمان عليها وإن أتلفته بعد رشدها ضمنته وهذا إذا أشهد بالعارية أو علمت بها فإن لم يكن واحد منهما فلا ضمان عليها ، وإن كانت رشيدة والتفريط جاء من قبل الأب والثيب مثلها ولا شيء على الزوج في الوجهين إذا لم يكن استهلكه ، رواه أصبغ عن ابن القاسم . وقال ابن عبد الغفور : وإن أشهد عند البناء أنه عارية كان القول قوله وإن طال زمانه ولا ينظر إلى أصل المتاع عرف للأب أو لم يعرف وليس له أن يأخذ إلا ما وجده ولا يتبعها بما لبست أو أتلفت ; لأنها في ولاية أبيها وهو الذي سلطها عليه ولابن القاسم في الدمياطية أن الأب إنما يصدق فيما ادعى من جهاز ابنته بعد البناء أنه عارية له ولو كان فيما بقي وفاء بالمهر إذا كان على أصل العارية بينة والمشهور ما في العتبية وانظر سماع أصبغ من الشرح انتهى . ويشير بذلك لكلام العتبية المتقدم وكلام ابن رشد عليها .

                                                                                                                            ( تنبيهان الأول ) تحصل مما تقدم أن شهادة الأب على العارية ينفعه في استرجاع متاعه وإن طال الزمان على المشهور والبكر والثيب مع الإشهاد في ذلك سواء ولا ضمان عليها فيما تلف إلا أن تعلم المالكة منهما لأمرها بالعارية فتضمن ما تلف . قال ابن سلمون : وحكم سائر الأولياء في الإشهاد حكم الأب ونصه : وإن كان أشهد حين التجهيز فإن ذلك منه عارية كان القول قوله وإن طال الزمان ويكون له أخذ ما وجد من ذلك ولا ضمان على الابنة فيما تلف من ذلك ولا على زوجها . قال في سماع أصبغ : فإن أشهد على الشورة أنها عارية قبل الدخول ثم قام يطلبها كان له ذلك وإن كانت [ ص: 529 ] ثيبا ، وعلى هذا يكون حكم سائر الأولياء كذلك مع الإشهاد وإن تلف شيء من ذلك لم يكن عليها شيء إلا أن تعلم المالكة لأمرها أن ذلك عارية فتضمن ما تلف انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية