الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        2729 - حدثنا محمد بن خزيمة ، قال : ثنا مسدد ، قال : ثنا يحيى عن مسعر ، قال : ثنا أبو الزناد ، عن عمه زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد ، عن جده جرهد ، قال : مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة ، قد كشفت عن فخذي فقال : غط فخذك ، الفخذ عورة .

                                                        قال أبو جعفر : فهذه الآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تخبر أن الفخذ عورة ، ولم يضادها أثر صحيح . فقد ثبت بها أن الفخذ عورة ، تبطل الصلاة بكشفها ، كما تبطل بكشف ما سواها من العورات .

                                                        فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار .

                                                        وأما وجه ذلك من طريق النظر ، فإنا رأينا الرجل ينظر من المرأة التي لا محرم بينه وبينها إلى وجهها وكفيها ، ولا ينظر إلى ما فوق ذلك ، من رأسها ، ولا إلى أسفل منه ، من بطنها ، وظهرها ، وفخذيها ، وساقيها ، ورأيناه في ذات المحرم منه لا بأس أن ينظر منها إلى صدرها ، وشعرها ، ووجهها ، ورأسها ، وساقها ، ولا ينظر إلى ما بين ذلك من بدنها .

                                                        وكذلك رأيناه ينظر من الأمة التي لا ملك له عليها ، ولا محرم بينه وبينها ، فكان ممنوعا من النظر من ذات المحرم منه ومن الأمة التي ليست بمحرم له ، ولا ملك له عليها - إلى فخذها ، كما كان ممنوعا من النظر إلى فرجها [ ص: 476 ] فصار حكم الفخذ من النساء كحكم الفرج ، لا كحكم الساق .

                                                        فالنظر على ذلك أن يكون من الرجال أيضا كذلك ، وأن يكون حكم فخذ الرجل في النظر إليه ، كحكم فرجه في النظر إليه ، لا كحكم ساقه .

                                                        فلما كان النظر إلى فرجه محرما ، كان كذلك النظر إلى فخذه محرما ، وكذلك كل ما كان حراما على الرجل أن ينظر إليه منه إلى ذات المحرم منه ، فحرام على الرجال أن ينظر إليه بعضهم من بعض .

                                                        وكل ما كان حلالا أن ينظر ذو المحرم من المرأة ذات المحرم منه ، فلا بأس أن ينظره الرجال بعضهم من بعض .

                                                        فهذا هو أصل النظر في هذا الباب ، وقد وافق ذلك ما جاءت به الروايات التي رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . فبذلك نأخذ ، وهو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية