الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وتجب في مال الصبي والمجنون ) والمحجور عليه بسفه والولي مخاطب بإخراجها منه وجوبا إن اعتقد الوجوب سواء العامي وغيره وزعم أن العامي لا مذهب له ممنوع بل يلزمه تقليد مذهب معتبر [ ص: 331 ] وذاك إنما كان قبل تدوين المذاهب واستقرارها ولا عبرة باعتقاد المولى ولا باعتقاد أبيه غير الولي فيما يظهر وذلك لخبر { ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة وفي رواية الزكاة } وهو مرسل اعتضد بقول خمسة من الصحابة وبوروده متصلا من طرق ضعيفة والقياس على معشره وفطرة بدنه الموافق عليهما الخصم أوضح حجة عليه قال ابن عبد السلام ولا يعذر وصي أي يرى وجوبها وهو مثال نهاه الإمام عن إخراجها فإن خافه أخرجها سرا ا هـ وهو ظاهر في إمام أو نائبه يرى وجوبها أما إذا لم يره ونهاه فينبغي وجوب امتثاله حينئذ ؛ لأنه لم يتعد به بالنسبة لاعتقاده إلا إذا قلنا ليس له حمل الناس على مذهبه لتعديه حينئذ وكان هذا هو ملحظ ابن عبد السلام ومع ذلك ينبغي تقييده بما إذا لم يغلب على ظنه أنه يغرمه ما أخرجه ولو سرا وأفتى القفال بأن الاحتياط للولي الحنفي أن يؤخرها لكماله فيخبره بها ولا يخرجها فيغرمه الحاكم ا هـ والاحتياط المذكور بمعنى الوجوب أو بالنسبة لضبطها وإخباره بها إذا كمل وينبغي للشافعي أن يحتاط باستحكام شافعي في إخراجها حتى لا يرفع لحنفي فيغرمه ويأتي قبيل الصلح ما له تعلق بذلك [ ص: 332 ] ولو أخرها المعتقد للوجوب أثم ولزم المولى ولو حنفيا فيما يظهر إخراجها إذا كمل ويسامح بغشها إن ساوى أجرة الضرب أي المحتاج إليه والتخليص كما قاله السبكي ومر ما فيه

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله في المتن وتجب في مال الصبي والمجنون ) في شرح العباب بعد كلام قرره ما نصه وبه يرد على من قال تجب في ماله أي المحجور لا عليه ومن ثم قال ابن الصلاح ليس كما قال هذا القائل ؛ لأن المعنى بوجوبها عليه ثبوتها في ذمته كما يقال عليه ضمان ما أتلفه وبذلك صرح القاضي والروياني فقال الصحيح وجوبها عليه وغلط من قال تجب في ماله أي لا عليه حتى لا ينافي ما تقرر وفائدة وجوبها في الذمة وجوب إخراجها بعد تلف المال فيما يظهر ا هـ أقول إذا لم يخرجها الولي وتلف المال قبل كمال المولى فيحتمل سقوطها عنه ؛ لأنه تلف قبل التمكن إذ لا يصح إخراجه قبل كماله وهل [ ص: 331 ] يضمن الولي فيه نظر وينبغي الضمان إن قصر ( قوله ولا عبرة باعتقاد المولى ) قد يمنع في البالغ السفيه وطارئ الجنون بعد البلوغ ( قوله قال ابن عبد السلام ولا يعذر ) أي في الإخراج فلا يتركه ( قوله فينبغي وجوب امتثاله ) أي ومع وجوب الامتثال ينبغي أن لا يسقط وجوب الزكاة رأسا نعم إن تصور حكم بأن ادعى المستحق المنحصر وحكم حاكم بعدم الوجوب بشرطه لم يبعد سقوطه ( قوله فيغرمه الحاكم ) قد يقال لا يقتضي الوجوب ؛ لأن له أن يرضى بالغرامة ( قوله بمعنى الوجوب إلخ ) أي فاندفع ما قد يقال لا معنى للاحتياط مع أن اعتقاده عدم وجوب الزكاة وامتناع الإخراج عليه ( قوله بمعنى الوجوب ) أي إذ العبرة كما علم باعتقاد الولي واعتقاده

                                                                                                                              [ ص: 332 ] أن لا وجوب ( قوله ولزم المولى ولو حنفيا فيما يظهر ) فيه نظر بل يتجه بعد كمال المولى أن المدار على اعتقاده في إخراج ما مضى قبل الكمال فإن كان حنفيا لم يلزمه إخراجه وإن كان يعتقد الولي الوجوب أو شافعيا لزمه وإن كان يعتقد الولي عدم الوجوب ؛ لأنه بالكمال انقطع ارتباطه باعتقاد الولي ونظر لاعتقاد نفسه م ر وقد يقال قياس قواعد التقليد أن الشافعي مثلا إذا لزمه حق كزكاة عند الشافعي دون أبي حنيفة فقلد أبا حنيفة في تلك الصورة سقط عنه ذلك الحق فإن كان الأمر كذلك أشكل قوله ولو حنفيا إذ غايته بعد كماله أنه كشافعي لزمه زكاة عند الشافعي فقلد أبا حنيفة ولو كان تأخير المعتقد الوجوب لخوف أن يغرمه الحنفي فهل يكون عذرا في التأخير فيه نظر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وتجب في مال الصبي إلخ ) قال الشارح في شرح العباب بعد كلام قرره ما نصه وبه يرد على من قال تجب في ماله أي المحجور عليه لا عليه ومن ثم قال ابن الصلاح ليس كما قال هذا القائل ؛ لأن المعنى بوجوبها عليه ثبوته في ذمته كما يقال عليه ضمان ما أتلفه وبذلك صرح القاضي والروياني فقال الصحيح وجوبها عليه وغلط من قال تجب في ماله أي لا عليه حتى لا ينافي ما تقرر انتهى ا هـ سم ( قوله والمحجور عليه ) إلى قوله سواء العامي في النهاية والمغني ( قوله والولي مخاطب إلخ ) وإذا لم يخرجها الولي وتلف المال قبل كمال المولى فيحتمل سقوطها عنه ؛ لأنه تلف قبل التمكن إذ لا يصح إخراجه قبل كماله وهل يضمن الولي فيه نظر وينبغي إن قصر سم وقوله إن قصر لعله احتراز عن نحو ما يأتي في قول الشارح ومع ذلك ينبغي تقييده بما إذا لم يغلب إلخ .

                                                                                                                              ( قوله منه ) أي من مال الصبي إلخ ( قوله إن اعتقد الوجوب ) أي في مالهم نهاية ومغني ( قوله سواء العامي إلخ ) عبارة المغني والنهاية بعد ذكرهما إفتاء القفال الآتي في الشرح ولو كان الولي غير متمذهب بل عاميا صرفا فإن ألزمه حاكم يراها بإخراجها فواضح كما قاله الأذرعي وإلا فالأوجه كما قال شيخنا الاحتياط بمثل ما مر عن القفال والأوجه كما قاله أيضا إن قيم الحاكم يعمل بمذهبه كحاكم أنابه حاكم آخر يخالفه في مذهبه ا هـ قال ع ش قوله م ر بل عاميا صرفا قد يشعر هذا بأن العامي لا يلزمه تقليد مذهب من المذاهب المعتبرة وفي حج والولي مخاطب بإخراجها منه سواء العامي وغيره وزعم إلخ وقوله م ر بمثل ما مر إلخ أي من أن يحسب زكاته إلخ [ ص: 331 ] وله الرفع للحاكم ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله وذاك ) أي قوله لا مذهب للعامي كردي ولا عبرة إلخ وفاقا للزيادي وخلافا لمر كما يأتي ( قوله ولا عبرة باعتقاد المولى ) قد يمنع في البالغ السفيه وطارئ الجنون بعد البلوغ سم ( قوله وذلك ) أي وجوب الزكاة في مال الصبي إلخ ( قوله لخبر ) إلى قوله قال في النهاية إلا قوله وهو مرسل إلى والقياس ( قوله لخبر ابتغوا إلخ ) أي ولشمول الخبر المار لهم ولأن المقصود من الزكاة سد الخلة وتطهير المال ومالهما قابل لأداء النفقات والغرامات وليست الزكاة محض عبادة حتى تختص بالمكلف نهاية ومغني .

                                                                                                                              ( قوله وفي رواية إلخ ) وروى الدارقطني خبر { من ولي يتيما له فليتجر فيه ولا يتركه حتى تأكله الصدقة } نهاية ( قوله والقياس ) مبتدأ خبره قوله أوضح إلخ ( قوله الموافق عليهما الخصم ) أي ولم يصح في إسقاط الزكاة ولا في تأخر إخراجها إلى البلوغ شيء قال الإمام أحمد لا أعرف عن الصحابة شيئا صحيحا أنها لا تجب مغني ( قوله قال ابن عبد السلام ولا يعذر إلخ ) أي في ترك الإخراج سم ( قوله وهو مثال ) أي الوصي فالمراد مطلق ولي المحجور عليه ( قوله نهاه الإمام عن إخراجها ) أي من مال موليه لعصيان الإمام بذلك ( وقوله فإن خافه ) أي الإمام لو أخرجها جهرا ( وقوله أخرجها سرا ) أي محافظة على الواجب بقدر الإمكان ( وقوله يرى وجوبها ) أي في مال المحجور عليه ( وقوله أما إذا لم يره ) أي كالحنفي إيعاب .

                                                                                                                              ( قوله فينبغي وجوب امتثاله ) أي ومع وجوب الامتثال ينبغي أن لا يسقط وجوب الزكاة رأسا نعم إن تصور حكم بأن ادعى المستحق المنحصر وحكم حاكم بعدم الوجوب بشرطه لم يبعد سقوطه سم عبارة الإيعاب وجب على الولي أن يطيعه وفيه نظر لما تقرر أن العبرة باعتقاد الولي فلا نظر لأمر الإمام بما يخالفه وإن جاز له ذلك في اعتقاده ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إذ ليس له حمل الناس إلخ ) أي هو المعتمد ( قوله وكأن هذا ) أي ليس للإمام حمل الناس على مذهبه ( قوله ينبغي تقييده ) أي ما قاله ابن عبد السلام من وجوب الإخراج مع النهي عنه جهرا أو سرا ( قوله أن يؤخرها إلخ ) أي أن يحسب زكاة المال حتى يكمل فيخبره بذلك مغني ( قوله والاحتياط المذكور بمعنى الوجوب إلخ ) فاندفع ما قد يقال لا معنى للاحتياط مع أن اعتقاده عدم وجوب الزكاة وامتناع الإخراج عليه إذ العبرة كما علم باعتقاد الولي واعتقاده أن لا وجوبسم .

                                                                                                                              ( قوله وينبغي للشافعي إلخ ) عبارة الإيعاب ومن الاحتياط أن يستأذن الولي الشافعي مثلا حاكما شافعيا مثلا في إخراجها أو يرفع الأمر إليه بعد إخراجها حتى يحكم بعدم مطالبة المحجور عليه بها إذا كمل وظاهر هذا كالاحتياط الذي ذكره القفال أن اعتقاد الولي إنما يدار عليه خطابه بوجوب الإخراج عليه تارة وعدمه أخرى وأما بالنسبة لتعلقها بالمال حتى يلزم المحجور إخراجها إذا كمل فلا يعتبر فيه اعتقاد الولي وإلا لأوجبوا على الحنفي عدم الإخراج ولم يقولوا لا يلزمه ولم يكن في ذلك الاحتياط الذي ذكره القفال فائدة بل يكون ممتنعا ؛ لأنه إذا فرض أن الولي حنفي وأن العبرة باعتقاده بالنسبة للتعلق بالمال أيضا لم يتعلق بالمال شيء فلا يجوز له الإخراج ولا يخرج المولى إذا كمل وقد ذكروا ما يدل على خلاف هذين ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله ولا يخرجها إلخ ) أي فإن أخرجها عالما عامدا بتحريم ذلك عليه فينبغي مع عدم الإجزاء فسقه وانعزاله ؛ لأنه تصرف في ملك الغير بطريق التعدي ولو أخرج حيث لم يفسق كأن جهل التحريم ثم قلد من يوجب الزكاة ويصحح إخراجه فينبغي الاعتداد بإخراجه السابق سم على البهجة ا هـ ع ش وقوله فينبغي إلخ تقدم عن الإيعاب ما يفيد خلافه ( قوله فيغرمه ) قد يقال هذا لا يقتضي الوجوب ؛ لأن له أن يرضى بالغرامة سم أي فينبغي أن يراد بوجوب الامتثال عدم [ ص: 332 ] لزوم الإخراج ( قوله ولو أخرها المعتقد إلخ ) لو كان تأخير المعتقد للوجوب لخوف أن يغرمه الحنفي فهل يكون عذرا في التأخير فيه نظر سم أقول قول الشارح المتقدم ومع ذلك ينبغي تقييده بما إذا لم يغلب إلخ صريح في أن ذلك عذر .

                                                                                                                              ( قوله ولو حنفيا إلخ ) فيه نظر بل يتجه بعد كمال المولى أن المدار على اعتقاده في إخراج ما مضى قبل الكمال فإن كان حنفيا لم يلزمه إخراجه وإن كان يعتقد الولي الوجوب أو شافعيا لزمه وإن كان يعتقد الولي عدم الوجوب ؛ لأنه بالكمال انقطع ارتباطه باعتقاد الولي ونظر لاعتقاد نفسه م ر ا هـ سم وبصري عبارة ع ش قال الزيادي ولو أخرها معتقد الوجوب أثم ولزم المحجور عليه بعد كماله إخراجها ولو حنفيا إذ العبرة باعتقاد الولي ا هـ وهو مخالف لما في سم على المنهج تبعا لمر وعبارته وانظر لو اختلف عقيدة المحجور والولي بأن كان الصبي شافعيا والولي حنفيا أو بالعكس وقد يقال العبرة في اللزوم وعدمه بعقيدة الصبي وفي وجوب الإخراج وعدمه بعقيدة الولي لكن حيث لزم الصبي أما صبي حنفي فلا ينبغي للولي الشافعي أن يخرج زكاته إذ لا زكاة عليه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله فيما يظهر ) وقد يقال قياس قواعد التقليد أن الشافعي مثلا إذا لزمه حق كزكاة عند الشافعي دون أبي حنيفة فقلد أبا حنيفة في تلك الصورة سقط عنه ذلك الحق فإن كان الأمر كذلك أشكل قوله ولو حنفيا إلخ إذ غايته بعد كماله أنه كشافعي لزمه زكاة عند الشافعي فقلد أبا حنيفة سم .

                                                                                                                              ( قوله بغشها ) أي غش الزكاة المخرجة من مال المولى عبارة المغني ( فائدة )

                                                                                                                              أجاب السبكي عن سؤال صورته كيف تخرج الزكاة من أموال الأيتام من الدراهم المغشوشة والغش فيها ملكهم بأن الغش إن كان يماثل أجرة الضرب والتخليص فيسامح به وعمل الناس على الإخراج منها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله إن ساوى ) أي الغش ( قوله ومر ) أي في أوائل باب زكاة النقد و ( قوله ما فيه ) عبارته هناك فلو كان لمحجور تعين الأول أي إخراج قدر الواجب خالصا إن نقصت مؤنة السبك المحتاج إليه عن قيمة الغش ا هـ وهو موافق لما نقله عن السبكي إلا أنه ساكت عن أجرة الضرب




                                                                                                                              الخدمات العلمية