الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أو كزوجني أختك بمائة على أن أزوجك أختي بمائة ، وهو وجه الشغار ، [ ص: 448 ] وإن لم يسم فصريحه ، وفسخ فيه ، وإن في واحدة ، وعلى حرية ولد الأمة أبدا ، ولها في الوجه ، ومائة وخمر ، أو مائة ومائة : [ ص: 449 ] لموت أو فراق الأكثر من المسمى ، وصداق المثل . ولو زاد على الجميع ، وقدر بالتأجيل المعلوم إن كان فيه ، وتؤولت أيضا : [ ص: 450 ] فيما إذا سمى لإحداهما ، ودخل بالمسمى لها بصداق المثل ، وفي منعه بمنافع ، وتعليمها قرآنا ، وإحجاجها ، [ ص: 451 ] ويرجع بقيمة عمله للفسخ

التالي السابق


( أو كزوجني ) يحتمل أن الكاف اسم بمعنى مثل معطوف على فاعل فسد ، وأن المعطوف بأو محذوف ، والمعطوف عليه فعل الشرط وهو نقص أي فسد إن نقص ، أي أو كان نكاح شغار كزوجني ( أختك ) ونحوها مما لا جبر له عليها ، وأولى من له جبرها كبنتك وأمتك ( بمائة ) مثلا من نحو الدنانير ( على ) شرط ( أن أزوجك أختي ) مثلا أو بنتي أو أمتي ( بمائة ) مثلا من نحو الدراهم ( وهو ) أي هذا النكاح ( وجه الشغار ) بكسر الشين وبالغين المعجمين ، أي المسمى بهذا الاسم وهو فاسد يفسخ قبل البناء ، ويمضي بعده بالأكثر من المسمى ، وصداق المثل . واستواء قدر المهرين ليس شرطا ، ولذا قال فيها وإن قال زوجني ابنتك بمائة على أن أزوجك ابنتي بمائة أو بخمسين فلا خير فيه ، وهو من وجه الشغار ا هـ . وقال ابن عرفة ولو عقداه بمهر مسمى لكل واحدة ففيها هذا وجه الشغار ، وأفهم قوله على إلخ أنه لو لم يقع على وجه الشرط بل على وجه [ ص: 448 ] المكافأة من غير توقف إحداهما على الأخرى لجاز وهو كذلك ( وإن لم يسم ) بضم التحتية وفتح السين المهملة والميم مشددة لواحدة منهما صداق ، وشرط في تزوج إحداهما تزوج الأخرى وجعل تزويج كل منهما مهرا للأخرى كزوجني على أن أزوجك بنتي ( ف ) هذا النكاح ( صريحه ) أي الشغار ، أي المسمى بهذا الاسم وهو فاسد ( وفسخ ) بضم فكسر النكاح قبل الدخول وبعده أبدا ( فيه ) أي الصريح الذي لا صداق فيه ، ولها بعد البناء صداق مثلها إن كان عدم المهر في المرأتين ، بل ( وإن في واحدة ) كزوجني بنتك بمائة على أن أزوجك بنتي ، وهذا يسمى مركب الشغار ، فالمسمى لها يفسخ نكاحها قبل البناء ويمضي بعده بالأكثر من المسمى ، وصداق المثل والتي لم يسم لها يفسخ نكاحها أبدا ولها بعد البناء صداق مثلها .

( و ) فسخ النكاح إن وقع ( على ) شرط ( حرية ولد الأمة ) المزوجة فيفسخ ( أبدا ) أي قبل الدخول وبعده ولو طال لأن بعض المهر في مقابلة حرية ولدها فأشبه بيعه قبل وجوده وهو ممنوع للغرر ، وإن ولدت فهو حر وولاؤه لسيد أمه ولها بالدخول المسمى ، قاله في المدونة ، وبحث فيه الموضح بأن مقصود الزوج لم يحصل وهو بقاؤها في عصمته فالظاهر أن لها الأقل من المسمى وصداق مثلها . وأجيب بأن قصده حرية ولده وقد حصل والنكاح تبع وقد استوفاه ودوامه أو عدمه محتمل ، وأشعر قوله على حرية أن الفسخ لذلك ، وأما العتق فلتشوف الشارع للحرية وأنه إن تطوع سيد الأمة بالتزام ذلك بعد العقد فلا يفسخ ويلزمه العتق أيضا .

( ولها ) أي الزوجة ( في الوجه ) أي وجه الشغار وإن في واحدة الأكثر من المسمى وصداق المثل إن كان دخل الزوج بها ولا يفسخ النكاح ( و ) لها في تزوجها ب ( مائة ) من نحو الدنانير ( و ) نحو ( خمر أو ) ب ( مائة ) حالة من نحو الدنانير ( ومائة ) كذلك [ ص: 449 ] مؤجلة بمجهول كموت أو طلاق ( الأكثر من المسمى ) بفتح الميم الثانية مشددة الحلال ( و ) من ( صداق ) المثل ، ولا ينظر لنحو الخمر ولا للمؤجل بمجهول إن لم يزد صداق المثل على المجموع ، بل ( ولو زاد ) صداق المثل ( على الجميع ) أي المائة الحالة والمائة المؤجلة بمجهول بأن كان مائتين وخمسين مثلا فتأخذه حالا . وقال ابن القاسم لا تزاد على المائتين فتأخذهما حالتين ولا تعطى الزائد لأنها رضيت بالمائة لأجل مجهول ، فأخذها حالة أحسن لها ، فلو كان صداق مثلها مائتين أو مائة وخمسين أخذته لأنه أكثر من المسمى الحلال وهي المائة الحالة ، فلو أراد بالمسمى ما يشمل الحلال والحرام فلا يكون صداق المثل أكبر منه إلا إذا زاد على الجميع ، فلا تصح المبالغة . ولو كان صداق مثلها تسعين أخذت المائة الحالة لأنها أكثر من صداق مثلها .

( وقدر ) بضم القاف وكسر الدال مشددة أي صداق المثل أي اعتبر قدره الذي يقابل بالمسمى ( بالتأجيل ) بالأجل ( المعلوم ) لبعضه ( إن كان فيه ) أي المسمى الحلال مؤجل بأجل معلوم . ابن الحاجب فإن كان معهما تأجيل معلوم قدر صداق المثل به ، فإن كان سمى لها مائة حالة ومائة مؤجلة بأجل معلوم ومائة مجهولة الأصل قيل ما صداق مثلها على أن فيه مائة مؤجلة بذلك الأجل المعلوم .

فإن قيل مائتان فقد ساوى المسمى الحلال صداق مثلها ، فتأخذ مائة حالة ومائة إلى الأجل المعلوم ، وكذا إن قيل مائة وخمسون وإن قيل ثلاثمائة أخذت مائتين حالتين ومائة إلى الأجل المعلوم . ولما قدم أن لها في وجه الشغار الأكثر من المسمى وصداق مثلها وظاهره كان من الجانبين أو من إحداهما وهو ظاهر المدونة أيضا .

ولكن تأولها ابن لبابة بحملها على الأول فقط أشار له بقوله ( وتؤولت ) بضم الفوقية والهمز وكسر الواو مشددة أي فسرت المدونة ( أيضا ) أي كما فسرت بحملها [ ص: 450 ] على ظاهرها من عموم التسمية لهما ، ولإحداهما فقط ، وهذا تأويل ابن أبي زيد وتأولها ابن لبابة ( فيما إذا سمى ) الزوج الصداق ( لإحداهما ) ولم يسم للأخرى صداقا ، وشرط في تزوج إحداهما تزوج الأخرى وهو مركب الشغار .

( ودخل ) الزوج ( بالمسمى ) بفتح الميم الثانية ( لها ) وصلة تؤولت ( بصداق المثل ) سواء زاد على المسمى أو لا وأفهم قوله لإحداهما أن هذا التأويل لم يجر في التسمية لهما معا مع جريانه فيها كما في توضيحه ، فلو قال وتؤولت أيضا فيما إذا دخل بالمسمى لها بصداق المثل لشملهما أفاده عب .

البناني فيه نظر ونص التوضيح وأما الصورة الثانية أعني إذا سمى لكل واحدة منهما فقال ابن عبد السلام المشهور إن لكل واحدة الأكثر من المسمى وصداق المثل ، ثم قال وأما الصورة الثالثة إذا سمى لإحداهما فقط فإن دخل بالتي لم يسم لها فلها صداق مثلها ، وإن دخل بالتي سمى لها فتأول ابن أبي زيد المدونة على أن لها الأكثر ، وتأول ابن لبابة على أن لها صداق مثلها مطلقا ، نقله ابن عبد السلام فلم يسو بين التأويلين إلا في المركبة . وأما غيرها فهي وإن كان فيها التأويلان أيضا لكن ذكر أن المشهور فيها لزوم الأكثر ، فجرى على ذلك هنا ، وخص التأويل الثاني بالمركبة .

فإن قلت لم لم يذكر التأويلين مجتمعين في المركبة حيث كانا متساويين فيها . قلت لأنه لما جمع في التأويل الأول المركبة وغيرها لم يتأت له جمع الثاني معه ، فلذا أفرده وحده لاختصاصه بالمركبة ، فلا يكون إفراده مفيدا لضعفه .

( وفي منعه ) أي النكاح أو الصداق خبر مقدم لقولان الآتي ( بمنافع ) لدار أو دابة أو رق في عقد إجارة لا في عقد جعل فيمنع اتفاقا لأن المجعول له ، له الترك متى شاء فهو نكاح بخيار ، وهذا ممنوع ( و ) في منعه ب ( تعليمها ) أي الزوجة ( قرآنا ) محدودا بحفظ أو نظر ( و ) في منعه ب ( إحجاجها ) أي الزوجة أي السفر معها للحج فيفسخ فيها [ ص: 451 ] قبل البناء ويمضي به ، ولها صداق مثلها ( ويرجع ) الزوج على الزوجة ( بقيمة ) أي أجرة مثل ( عمله ) أي الزوج للزوجة من منافع وتعليم قرآن وإحجاج من ابتدائه ( للفسخ ) أي للإجارة قبل البناء أو بعده . وأما النكاح فلا يفسخ بعده ، هذا والمشهور أنه لا يفسخ قبله أيضا ويمضي بالمنافع ، وإن منع ابتداء للاختلاف فيه فالمناسب إبدال ، ويرجع بقيمة عمله للفسخ بقوله ويمضي بها بعد وقوعه قبل البناء وبعده للاختلاف فيه .

قال ابن الحاجب وفي كونه بمنافع كخدمته مدة معينة أو تعليمه قرآنا منعه مالك رضي الله تعالى عنه ، وكرهه ابن القاسم وأجازه أصبغ ، وإن وقع مضى على المشهور . قال في التوضيح قوله وإن وقع مضى على المشهور هذا تفريع على ما نسبه لمالك رضي الله تعالى عنه من المنع ، وأما على الجواز والكراهة فلا يختلف في الإمضاء ، ومضى على المشهور للاختلاف فيه وما شهره المصنف قال في الجواهر هو قول أكثر الأصحاب ، ثم قال وقول ابن راشد وابن عبد السلام أن الإمضاء دليل على أن المشهور في حكمه ابتداء الكراهة ليس بظاهر لجواز أن يكون الحكم ابتداء المنع ع . وإذا وقع صح ، وهذا هو الظاهر من كلام المصنف لأنه نسب المنع لمالك رضي الله تعالى عنه فكيف يكون المشهور خلافه . ا هـ . كلام التوضيح ، فيقال حيث كان المشهور المنع ابتداء والمضي بعده فلم عدل عنه هنا إلى ذكر القولين المقابلين له مع أن عادته اتباع المشهور حيث وجده وابن عرفة مع ما علم من اطلاعه وحفظه لم يحك هذا الذي شهره ابن الحاجب ، ولا عرج عليه بوجه ، وقد اعترضه اللقاني وغيره بهذا .

وقد حصل ابن عرفة خمسة أقوال ، الأول : الكراهة فيمضي بالعقد . والثاني : المنع فيفسخ قبل البناء ويثبت بعده بمهر المثل . الثالث : إن كان مع المنافع نقد جاز وإلا فالثاني . الرابع : إن لم يكن فالثاني وإلا فسخ قبل البناء ومضى بعده بالنقد وقيمة العمل . الخامس : بالنقد والعمل ا هـ . [ ص: 452 ]

فأنت تراه لم ينقل القول الذي قال المصنف إنه المشهور ، وفسر به كلام ابن الحاجب ، فلعل المصنف ظهر له هنا أن الصواب ما فهمه ابن راشد وابن عبد السلام من كلام ابن الحاجب لا ما فهمه هو في التوضيح ، فلذا عدل عنه هنا لحكاية القولين المقابلين له ، فسقط قول " ز " أن المعتمد مع المنع المضي والله أعلم بناني .




الخدمات العلمية