الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ولمن خاف مقام ربه جنتان .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد بينا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد يكون فيها وجهان صحيحان كلاهما يشهد له قرآن ، فنذكر ذلك كله مبينين أنه كله حق ، وذكرنا لذلك أمثلة متعددة في [ ص: 506 ] هذا الكتاب المبارك ، ومن ذلك هذه الآية الكريمة .

                                                                                                                                                                                                                                      وإيضاح ذلك أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء ، كلاهما يشهد له قرآن .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : أن المراد بقوله : مقام ربه : أي قيامه بين يدي ربه ، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام ، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف ، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه ، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [ 79 \ 40 ] ، فإن قوله : ونهى النفس عن الهوى : قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه ، فنهى نفسه عن هواها .

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني : أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام - هو الله تعالى ، أي : خاف هذا العبد قيام الله عليه ومراقبته لأعماله وإحصاءها عليه ، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم كقوله تعالى : الله لا إله إلا هو الحي القيوم [ 2 \ 255 ] ، وقوله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ 13 \ 33 ] ، وقوله تعالى : ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه الآية [ 10 \ 61 ] ، إلى غير ذلك من الآيات .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قدمنا في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى في شأن الجن : ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم الآية [ 46 \ 31 ] أن قوله : ولمن خاف مقام ربه جنتان ، وتصريحه بالامتنان بذلك على الإنس والجن في قوله : فبأي آلاء ربكما تكذبان [ 55 \ 47 ] نص قرآني على أن المؤمنين الخائفين مقام ربهم من الجن يدخلون الجنة .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية